يملك المغرب شريطا ساحليّا طويلا، يمتدّ على شواطئ المحيط الأطلسيّ والبحر المتوسط، ويوفّر للبلد العربيّ الواقع في شمال أفريقيا بيئة غنيّة بالثروة السمكيّة.
لذلك، فإنّ القطاع يُقدّم إسهاما كبيرا في الاقتصاد الوطنيّ المغربيّ، عبر تغطية احتياجات السوق المحليّة وتصدير الفائض من إنتاج القطاع إلى الأسواق الخارجيّة.
وتعمل الحكومة المغربيّة على تنفيذ سياسات وبرامج لتعزيز هذا القطاع وتطويره، من بينها استراتيجيّة (أليوتيس) للسيطرة على الثروات البحريّة، والتّي تهدف إلى تعزيز الاستدامة وزيادة الإنتاج وتحسين الجودة.
غير أن غرفة الصيد البحري المتوسطيّة، التابعة لوزارة الفلاحة والصيد البحريّ والتنمية القرويّة والمياه والغابات في المغرب، كشفت في تقرير لها عن أنّ حجم إنتاج قطاع الصيد في البلاد سجّل تراجعا نسبته ثمانية في المئة على أساس سنوي في الأشهر الأربعة الأولى من هذا العام إلى 268 ألفا و668 طنا.
في المقابل، ارتفعت القيمة الماليّة لحجم الإنتاج واحدا في المئة على أساس سنويّ إلى نحو 3.57 مليار درهم (حوالي 377 مليون دولار أميركي) خلال تلك الفترة.
وبحسب الوزارة، فإنّ إجمالي إنتاج الأسماك في المغرب العام الماضي كان قد بلغ حواليّ 1.3 مليون طن، بينما بلغت عائدات قطاع الصيد البحري 11.5 مليار درهم.
“أزمة متعدّدة الأوجه”
ويرى حميد حليم، رئيس مؤسسة (المغرب الأزرق)، أنّ قطاع الصيد البحري في البلاد يعيش “أزمة كبيرة ومتعددة الجبهات، بدءا من تداعيات جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية العالميّة والصراعات الدوليّة، ووصولا إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وشُحّ المصائد وتراجع مخزون عدد من الأصناف المستهدفة، فضلا عن شبح التغير المناخي”.
وقال في حديث لوكالة أنباء العالم العربي (AWP) إن هذا التغيّر المناخي “أثّر بشكل مباشر على النظم البيئية والمخزون السمكيّ ذي القيمة التجارية، كالسمك السطحي والأخطبوط؛ وبالتالي، فقد أثر ذلك على تدفّق المنتج نحو سلاسل القيمة المضافة والصناعات السمكيّة”.
ووفقا لحليم، فإنّ المغرب من أكبر منتجي الأسماك في أفريقيا ويحتلّ مرتبة متقدمة بين منتجي العالم، بإنتاج بلغ أكثر من 1.5 مليون طن في عام 2022 وصادرات اقتربت من 900 ألف طن في العام ذاته إلى 144 دولة.
أضاف “يشكّل قطاع الصيد البحريّ دعامة قويّة للاقتصاد الوطني ومورد رزق لثلاثة ملايين مواطن مغربيّ يشتغلون بشكل مباشر وغير مباشر في هذا القطاع؛ هذان المحوران يجب أخذهما بعين الاعتبار إذا ما علمنا أن المغرب خلال السنين الأخيرة يعيش على وطأة تأثير التغيرات المناخية بشكل خطير وصامت”.
ويطالب حليم بوضع سياسة حماية لمواجهة آثار التغيّرات المناخيّة على الصيد البحري على غرار قطاع الزراعة وغيره من القطاعات، على أن تشمل تلك السياسة تعزيز مفهوم الحماية الاجتماعيّة لدى من يعملون في البحر.
مساعٍ حكوميّة
ويشير متخصصون إلى مساع تبذلها الدولة من أجل النهوض بقطاع الصيد البحري، عبر سياسات وبرامج مثل مشروع المحميّات البحرية واستراتيجية (أليوتيس) التي مضى على بداية تطبيقها نحو 15 عاما، فضلا عن الإسهام في تمويل الجهات الوطنية والدولية المعنية بالصيد البحري.
وبحسب وزارة الاقتصاد والماليّة المغربية، فإنّ مشروع المحميّات البحريّة الذي أطلقته وزارة الفلاحة والصيد البحري في يوليو تموز الماضي يهدف إلى استكمال مخطّطات تهيئة مصائد الأسماك عبر تدابير معيّنة في المناطق الساحليّة، خاصة الغنيّة بالتنوع البيولوجي والمواطن البحريّة، والوصول إلى 10% من أجمالي المساحات البحريّة في المغرب.
وذكر تقرير للوزارة أن اعتمادات الميزانيّة العامة للاستثمار في القطاع العام الماضي بلغت 221 مليونا و452 ألف درهم مغربي؛ وقدّر التقرير أيضا حجم مساهمة المغرب في تمويل المنظمات الوطنيّة والدوليّة المعنيّة بالصيد البحري العام الماضي بنحو 400 ألف درهم.
وأشار التقرير إلى أن استراتيجية (أليوتيس) الخاصة بقطاع الصيد البحري أرست أسس تطوير القطاع وتربية الأحياء البحرية، موضحا أنها تطمح إلى تحقيق تطوّر يواكب التوجه العالمي للاقتصاد الأزرق وبلورة رؤية تنموية جديدة لقطاع الصيد البحري وتربية الأحياء البحرية.
ووضعت تلك الاستراتيجية في الأساس بهدف تحويل المغرب إلى مرجع عالمي في نمو الاقتصاد الأزرق عبر إعطاء الأولوية للعنصر البشري مع الحفاظ على النظم البيئية.
وفي 15 مايو أيار الجاري، استضافت مدينة الدار البيضاء المغربية النسخة الثالثة من المنتدى الدولي للصناعات السمكية، والتي وصفها حليم بأنها كانت “الأرقى من حيث التنظيم والمشاركين وقيمة المادة العلميّة والمحاضرين على المستوى الدولي”.
المغاربة يستهلكون أسماكا أقلّ
وعلى الرغم من هذه الجهود الحكوميّة، فإن حليم ما زال يرى أن المغرب “ضيّع الكثير من الوقت والفرص بالتقصير في إدماج المجال البحري وعلوم البحر في المناهج التعليمية”.
وقال “حان الوقت للاستدراك وإعداد أجيال قادرة على الإدماج في السياسات العمومية والبرامج في أفق (رؤى) 2030 و2040 و2050”.
وأظهرت بيانات صادرة عن وزارة الفلاحة والصيد أنّه بينما تمثّل مساهمة قطاع الصيد البحري في الناتج المحلي للمغرب نحو ثلاثة في المئة، فإن استهلاك الفرد في البلاد من الثروة السمكية يعتبر منخفضا مقارنة مع المتوسط العالمي.
وأشارت البيانات إلى أنّ معدل استهلاك الشخص الواحد في المغرب لا يتجاوز 12 كيلوغراما في العام، في الوقت الذي يسجّل فيه المتوسط العالمي 20.5 كيلوغرام في السنة.
(الدولار الأميركي يُساوي 9.95 درهم مغربي)