عطفا على مقالة سابقة وصفنا خلالها ما تتعرض له الوزارة المكلفة بالصيد من هجومات من طرف بعض الأحزاب السياسية من كونها “حرب بأسلحة خردة”.
فإن ما يعنيه الوصف هو إحالة على نتائج هذه الهجومات و القصف التي تبقى فرقعات لفقاعات لا تأثير لها في الزمان و لا تأثير لها على الحالة العامة و لا على الأوضاع .
الشاهد أن قطاع الصيد البحري و منذ عقود- إن لم نقل منذ إحداث إدارة خاصة به- يتم تدبيره من طرف أهله، أي أن التدبير ينحصر بين الإدارة و الغرف و الهيئات المهنية، و بالتالي فالتشريعات القانونية و البرامج يتم تشكيلها و تفصيلها و بناءها قواعدها و تشييد صروحها تبقى بين هذه الاطرف ، و هو ما يفسر وجود بعض العيوب و النواقص الموسومة ب”تضارب المصالح” ، و يولد في كثير من الأحيان أزمات داخلية يتم استثمارها من أطراف خارجية ، و هذه الأطراف طبعا هي تلك الأحزاب السياسية و المنابر الإعلامية و الهيئات النقابية و الحقوقية….
وهو ما يفسر قوة الضجيج الذي تحدثه هذه الأطراف سياسيا و إعلاميا، و الذي ما يفتأ أن يتبدد في غضون أيام.
و لنأخذ “فقاعة السردين” التي تفجرت مع حلول شهر رمضان المنصرم ، و كيف تم استثمارها إعلاميا و سياسيا كحالة للتأمل ، حيث شاهدنا و شَهِدنا كيف انصب النقاش حول ثمن السردين و الشناقة و الوسطاء…و واجب الدولة في حماية جيب المستهلك ، و توفير الحوت بثمن معقول …، و الذي غطى على جريمة بيئية كانت تمارس في واضحة النهار، ألا و هي الصيد الجائر لصغار السردين و ترويج منتجات صيدية دون الحجم التجاري المسموح به ، حيث تجاوز “المعيار” في المنطقة الأطلسية الوسطى الى العيون جنوبا 50 وحدة في الكلغ الواحد ، علما أن المعيار محدد بين 45 و 30 وحدة في الكلغ الواحد على مستوى جميع المصايد الوطنية مع تفاوت من مصيدة الى أخرى.
لم يلتفت أحد الى أن شهر رمضان يصادف فترة سوء الأحوال الجوية، و بالتالي قلة العرض يولد ارتفاعا في الطلب و تتنامي معه اعداد الوسطاء…و بالتالي ترتفع الأسعار.
كما لم ينتبه أحد الى أن الفترة هي فترة توالد و نمو السردين قبل مرحلة البلوغ (ابريل-نونبر).
و لم يأبه أحد الى أن أهم مصيدة تُموِّن السوق الوطني تخضع للحجر صحي ، كما لم ينصب النقاش على أهمية حماية الثروة السمكية، و أن السردين يخضع كغيره من الأصناف الى راحة بيولوجية من أجل استدامة المخزون .
لم يفتح نقاش حول الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للمهنيين(الصيد و الصناعات السمكية) خلال ثلاث سنوات من أزمة تراجع المخزون و تداعيات التغير المناخي.
بل كان الشغل الشاغل لتجار “الشفوي” هو تمتيع الرأي العام بما يُشنِّف اسماعه و يدغدغ مشاعر الحقد و الحكرة المتراكمة بسبب تخلي الأحزاب و النقابات و الاعلام عن لعب دور الرقيب و صانع القرار و كقوة اقتراحية . حيث كان القِطاع سيكون أفضل حال اذا ما لعب كل طرف دوره و قام بتفعيل صلاحياته و اجتهد في انتاج الأفكار و الحلول.
الجهل بقطاع الصيد البحري و بخصوصيته، و بقوته و أهميته الاستراتيجية ، و بقيمته الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية،يشكل عاملا كبيرا في تخلفه عما يفترض أن يكون عليه منذ عقد من الزمن، حيث بقيت وزارة الصيد البحري و كوادرها و المهنيين يدبرون القطاع في إطار محدود، يعني استدامة الثروة السمكية و التثمين و التسويق .
و بالنظر الى المؤشرات و النتائج التي تحققت لفائدة المغرب على المستوى الاقتصادي و الديبلوماسي، و على مستوى الدينامية و التنمية، فلا يمكن الا الوقوف اجلالا و تقديرا لمكونات هذا الفريق الصغير.
و لا ملامة على النواقص التي يعرفها القطاع و يعيشها في صمت و على رأسها قلة الموارد البشرية التابعة لكتابة الدولة المكلفة بالصيد البحري، بالنظر الى تَوَسُّع الأنشطة و تعددها و انتشارها على المستوى الوطني من السعيدية الى أمهيريز.
فالمحافظة على الثروة السمكية على مسؤولية وزارة الصيد البحري تنتهي عند مغادرة ناقلات السمك بوابة الميناء ، لتبدأ مهمة باقي الأطراف في المراقبة و التتبع بما فيها السلطات الترابية و المجتمع المدني و حتى المستهلك.
إن ما يجب أن تقوم به الأحزاب السياسية و النقابات و هيئات المجتمع المدني و الحقوقي مجتمعة، هو رد الاعتبار للقطاع و تكريمه و تكريم كل بحار و كل مسؤول في أعلى رتبة، و العمل على توفير الدعم السياسي و المادي و المعنوي لتسهيل أداء مهامه، و التي تتلخص في محاور كبرى و هي : الاستدامة و السيادة العذائية و الاستقرار السوسيو-مهني لمجتمعات الصيد البحري.
قطاع الصيد البحري يحتاج الى دعم سياسي من طرف جميع المكونات أجل اخراج مدونة الصيد البحري عصرية تنسجم مع أهداف التنمية المستدامة، و مع الظرفية المناخية، الطبيعية و الاقتصادية، ومع التطورات الجيو-سياسية و الاستراتيجية .
قطاع الصيد البحري يحتاج الى دعم قوي من أجل تعزيز موارده البشرية التي تقدر ببضع مئات (1500 موظف) بالاطر العلمية و بآليات الاشتغال في البحث العلمي ، كما تحتاج مجتمعات الصيد البحري التي تقدر بالملايين الى برامج إنمائية قوية من أجل المحافظة على استقرارها….
و هذا لن يتاتى طبعا دون هدم المعتقدات البائدة و التمثلات و الصور النمطية حول قطاع الصيد البحري ، ثم الانخرط بكل جدية و حسن نية من أجل التعاون.
و عندها يمكن للأحزاب السياسية و النقابات و المنظمات ان تفتخر وطنيا ، و تزايد سياسيا، أما و أن تتصيد الفرص لممارسة الفروسية و الركمة فذلك من علامات الإفلاس السياسي.
كتبها للمغرب الأزرق الاستاذ حاميد حليم
مستشار في الاعلام البحري و التواصل
عضو المرصد الاعلامي للصيد المستدام بأفريقيا