يعود استهلاك السمك والمأكولات البحرية في العالم إلى العصر الحجري القديم الأعلى، أو ببساطة أواخر العصر الحجري، أي ما قبل 50 – 100 ألف سنة من الآن. وهي الفترة التي شهدت انتشار الإنسان الحديث في أوراسيا (قارتا أوروبا وآسيا) وانقراض البشر البدائيين المعروفين بالنيندرتال.
ومن دراسات علماء الآثار على الهياكل العظمية لما يعرف بإنسان تيانيوان (Tianyuan man)، الذي عاش في شرق آسيا قبل 40 ألف سنة، تبين الاستهلاك اليومي للأسماك النهرية. كما أن عثور علماء الآثار على كثير من أكوام الصدف وعظام الأسماك ورسوم الكهوف القديمة، يدل على الدور الكبير للسمك والمأكولات البحرية في بقاء الإنسان.
ويبدو أن معظم تقنيات الصيد الرئيسية التي نعرفها حاليا على اختلافها، قد انتشرت في العالم في العصر الحجري الحديث، أي ما بين 4 – 8 آلاف سنة من الآن.
كما عرف سكان كاليفورنيا القدماء استخدام الصنانير، واستخدمت بعض القبائل السموم النباتية في عمليات الصيد البدائية.
كما استخدم الصيادون الأوائل في الهند – وخصوصا السكان الأصليين في جزر أندامان ونيكوبار – الحراب النحاسية، والأسلاك الطويلة، لصيد الأسماك منذ العصور المبكرة.
كما عرف أهل الهند الصيد قديما جدا، وهناك من الوثائق ما يدل على معرفتهم بصيد اللؤلؤ أيام مملكة البانديائيون التاميلية في القرن الأول قبل الميلاد، كما عرفوا عالم الملاحة وتقنيات صيد الأسماك.
الأساطير
وكما هو الحال مع الرومان، تظهر تقنيات الصيد وعالمه في أعمال السيراميك في البيرو القديمة، في أميركا اللاتينية.
وفي الصين يبدأ التاريخ بثلاثة أفراد شبه صوفيين أو أسطوريين، يعلمون الصينيين فنون الحضارة في نحو 2800 – 2600 قبل الميلاد. وكان من بين هؤلاء كان فوهسي المعروف عنه أنه مخترع الكتابة والاصطياد والتفخيخ وصيد السمك.
وجاء ذكر الأسماك في القرآن الكريم عدة مرات: «وتحدث القرآن الكريم والسنة النبوية عن اللحم الطري… لفظ اللحم إذا أطلق يكون المقصود به لحم الأنعام، أما إذا قيد باللحم الطري فالمقصود هو السمك؛ لأن السمك الصالح للأكل يكون طرياً دائماً».
ولطالما اعتمد الفراعنة والمصريون القدماء على نهر النيل وأسماكه الطازجة والمجففة في مآكلهم اليومية، وقد عرف الفراعنة كثيرا من تقنيات الصيد، كما تشير الرسوم على الأضرحة والقبور.
وقد كان الصيد أيام الفراعنة عالما بحد ذاته، وجزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية إلى جانب نهر النيل، إذ شاع الصيد كهواية، وصنعت له قوارب القش الخاصة، والصنانير، والحراب، والشباك، والسلاسل الواقية المصنوعة من فروع الصفصاف. ومع الأسرة الثانية عشرة الحاكمة، عرفت مصر الصنانير المعدنية ذات الأشرطة. وكان الفراعنة أيضا كما يحصل الآن يضربون السمك على رأسه حتى الموت بعد القبض عليه، وقد عرفوا كثيرا من أنواع الأسماك، وعلى رأسها: سمك البرمون النيلي (Nile perch)، والقرموط (Catfish)، والأنكليس (الحنكليس) (Eels).
ولأن مرتبة الصيادين والصيد الاجتماعية كانت مرتبة دنيا في اليونان، لم نر كثيرا من مشاهد الصيد في الثقافة اليونانية القديمة. ومن المواد الفنية القليلة التي عثر عليها في هذا المضمار كأس يعود تاريخه إلى عام 500 قبل الميلاد «يظهر صبيا يجلس على صخرة، مع قضيب صيد في يده اليمنى وسلة في يساره»، وفي الماء ما يبدو أنه قفص للصيد.
وتعود أهم الأعمال الموثقة عن عالم الصيد والسمك إلى الشاعر اليوناني – الروماني أوبيان الكوريكوسي الذي عاش أيام الإمبراطور ماركوس أوريليوس. وقد كتب أوبيان أطروحة (هاليوتيكا) رئيسية عن الصيد البحري، بين عامي 177 و180 قبل الميلاد. ويصف أوبيان في الأطروحة «وسائل الصيد المختلفة، بما في ذلك استخدام الشباك المدلى بها من القوارب… الرماح العادية، والرماح الثلاثية، ومختلف أنواع الفخاخ».
كما كتب المؤرخ اليوناني بوليبيوس أيضا عن عالم الصيد، وخصوصا صيد سمكة السيف (Swordfish).
مهما يكن، فقد كانت عمليات استهلاك المأكولات البحرية والأسماك بشكل خاص تعتمد على طبقة المواطنين الاجتماعية، والمنطقة التي يعيشون فيها. ولذا كانت بعض الأنواع الطازجة من الأخطبوط والحبار والمحار متوفرة بكثرة في المناطق الساحلية والجزر عامة، وكانت تستهلك محليا، وتصدر إلى المناطق الداخلية. كما عرف أهل أثينا قديما سمك السردين وسمك البلم (Anchovies). بأي حال فإن أهل اليونان عرفوا كثيرا سمك التونة الأصفر، و«السلطان إبراهيم»، وسمك الشفانين (Batoidea)، وسمكة السيف، والأنكليس.
ويبدو أنه في بعض المناطق اليونانية كانت أسعار سمك التونة الأزرق أغلى ثلاث مرات من سمك الببغاء (Parrotfishes).
كما أظهرت الحفريات والوثائق الدينية القديمة أن بني إسرائيل قد استهلكوا كثيرا من أنواع الأسماك منذ وجودهم في مصر القديمة، وقد أكثروا من تناوله بعد السبي، وتم العثور على عظام أسماك بحيرة طبرية ونهري العوجا والأردن، في مواقع أثرية كثيرة في فلسطين. ومن الأسماك التي كانت تستهلك أيام بني إسرائيل: السمك البلطي الذي يعيش في المياه الحلوة والقليلة الملوحة، وسمك الأسبور (sea breams)، وسمك القشر (Groupers)، وسمك اللوت (Meagre)، وسمك البوري الرمادي (Grey mullets)، من الأسماك البحرية. ومعظم هذه الأسماك كانت تأتي من البحر الأبيض المتوسط ومن البحر الأحمر، وكثيرا من الأحيان استيرادا من مصر القديمة ومن نهر النيل. وكما هو معروف أن تجارة السمك كانت رائجة بين القدس ومصر، وكانت تجارة مهمة لدرجة أن أطلق على أحد بوابات القدس «بوابة السمك»، نسبة إلى سوق السمك القريبة من البوابة.
وبشكل عام كانت بعض أنواع الأسماك آنذاك حكرا على الطبقات العليا والأغنياء من الناس؛ نظرا لتكاليف تمليح السمك، وتجفيفه، ونقله، وحفظه… إلخ.
معظم الأدلة المصورة عن الصيد الروماني وعالم الأسماك تأتي من الفسيفساء التي تظهر مشاهد الصيد والقوارب والقصب والشباك. ويبدو أن الرومان كانوا يعرفون كثيرا سمك القنجر (Conger)، والكركدن (Lobster)، أو جراد البحر، وقنفذ البحر (Sea urchins)، والأخطبوط، والحبار.