يعيش قطاع الصيد البحري بالمنطقة المتوسطية حالة احتضار تنذر بانهيار أنشطة الصيد و الأنشطة المرتبطة بها، رغم المجهودات الجابرة التي قامت بها وزارة الصيد البحري و الحكومة من أجل تطوير القطاع و تحديث الأسطول و تنظيمه ،و حماية الثروة السمكية و تثمينها و توفير مناخ مشبع بالتنافسية ،ما يسهم بشكل كبير في الترقية السوسيو اقتصادية لمجتمعات الصيد البحري.
و في ظل استمرار معيقات ثقافية و سياسوية أكثر منها تقنية و بيولوجية، يدفع مهنيو الصيد البحري و آلاف الأسر التي تعيش على أنشطة الصيد البحري و النشاطات الاقتصادية المرتبطة بها ثمن الوضع.
فاستمرار التهريب و التداول خارج مسالك البيع الرسمي يفقد المنتوجات البحرية قيمتها، كما يفقد معه البحارة الحماية الاجتماعية و نسبة مهمة من العائدات، فيما يبرر أرباب وحدات الصيد ذلك، بالأمر الواقع الذي يفرضه ارتفاع تكاليف الإنتاج، مقابل تراجع المصطادات.
و عبر سلسلة القيمة يجثم الاحتكار في تداول المنتوجات البحرية على أنفاس شريحة مهمة من مهني الصيد البحري، حيث أن أثمنة الانواع الرفيعة و ذات القيمة كالرخويات و التونة و سمك ابو سيف، تخضع لتسقيف مسبق من طرف المحتكرين و هو عامل آخر مهم في إقبار التنمية السوسيو اقتصادية لمهني الصيد البحري و لمجتمعات الصيد.
فرغم ما وفرته وزارة الصيد البحري من مرافقة و مواكبة للترقية الاجتماعية و المهنية عبر منظومة التكوين البحري و الإرشاد البحري و التنظيم المهني و التأطير في منظمات مهنية منتجة، الا أن مؤشرات التنمية تبقى رهينة قواعد ثقافية تحكمها خلفيات سياسوية قسمت المنطقة المتوطسية الى فصائل و شيع و تيارات يتجاذبها قطب الشرق الريفي و الغرب الجبلي. و من جملة التمظهرات التي تخضع لمنطق التحكم هو استمرار استعمال المتفجرات في الصيد البحري، و الصيد في المناطق الممنوعة(المحميات البحرية)، و استعمال الشباك العائمة في صيد سمك ابوسيف و تهريبه ، استعمال قوارب الملاحة الترفيهية في الصيد البحري…فضلا عن الجني الجائر للمرجان و الصيد الغير القانوني و تبيض المنتوجات البحرية الممنوع صيدها.. هذه الأنشطة الممنوعة تتم بمباركة و حماية جهات نافذة تمارس الضغط السياسي المغلف ب “الاجتماعي” لتحقيق مكاسب و منافع شخصية أكثر من مجتمعية لفائدتها عوض الشرائح المعنية.
يبقى العامل الطبيعي المساهم في تدبدب و عدم استقرار الحالة الاقتصادية و الاجتماعية لمجتمعات الصيد البحري بالمنطقة المتوسطية من العوامل المهمة التي لم تأخذ حيزا من الاهتمام، او تمت مواجهته بسوء تقدير، حيث بقيت دار لقمان على حالها و لم تتحسن فيما تفاقمت الأزمات الى مستوى التدهور المفضي الى الإفلاس، فلا محميات الصيد اعطت نتائجها، و لا الشباك المدعمة انقذت نشاط صيد و تثمين السمك السطحي بعدما تحول حوت “النيكرو” من نوع مهاجر الى مستوطن قار،و لا الرفع من حصة التونة الحمراء عضّدت الصيد التقليدي ،و لا اعفاء هذا الاخير من تحصيص سمك ابوسيف و غض الطرف عن استعمال الشباك الممنوعة غير الوضع ، بل اكثر من ذلك عرف أسطول الصيد البحري بالمنطقة المتوسطية تراجعا من حيث العدد و القيمة ، و تخلي الكثيرين عن نشاط الصيد، فيما اختار كثيرون الهجرة القسرية نجو موامئ الاطلسي .
ان وضع المنطقة المتوسطية لا يحتاج كثيرا من الاجتهاد و التكليف من أجل الحصول على معطيات حول صنف معين من أنشطة الصيد البحري لمعرفة الأسباب الحقيقية التي تعيق تطوره رغم المجهودات المبذولة من طرف جميع الفاعلين، وعلى الخصوص إدارة الصيد البحري. فالتمثيليات المهنية ان على مستوى غرف الصيد البحري او كفدراليات الصيد الساحلي و التقليدي و تجارة السمك و لجان الصيد البحري بالإقليم و الجهات تقوم بدورها في رفع المظالم و التظلمات و الترافع حول الإشكالات و المشاكل التي يعانيها القطاع، كما أن وزارة الصيد البحري و من خلال مصالحها الخارجية تعقد اجتماعات دورية و كل حين و تتوصل على مستوى ذات المصالح بالمستجدات لترفعها للإدارة المركزية قصد النظر، و بالتالي فالمسألة أكبر من ذلك اذا كان الأمر يعني الدولة فعلى مدى عقد من الزمن تم الاستثمار في البنية التحتية و الخدمات العمومية من مصالح ادارية و موانئ و نقط تفريغ و أسواق البيع الأول و الثاني ومؤسسات تكوين بحري لجميع التخصصات و الدرجات و كذا الموارد بشرية.
أما على مستوى التمثليات المهنية فكما سبق البسط يبقى العامل الثقافي و الاجتماعي و السياسوي هو المتحكم في القرار و الارادة، دوت اغفال دور القطاعات المشتركة في تدبير القطاع الامن و التجارة و اللوجيستيك و كذلك المجالس المنتخبة بالجماعات القروية و الحضرية والاقاليم و الجهات التي غالبا ما تتخذ دور المتفرج او التي لا تعي أهمية القطاع او تخضع لتوجيه من طرف الاقطاب المتحكمة في الصيد البحري.
الاشكال ليس في الوضعية المتردية التي تعيشها المنطقة المتوسطية على مستوى قطاع الصيد البحري، المرتبط بشكل عضوي مع مجموعة أنشطة اقتصادية اخرى،لكا في وجود عجز مطبق عن ايجاد بدائل موضوعية تقلل من الهدر الزمني و المالي في الدراسة و طرح الحلول الترقيعية التي تكون فرصة لتجار الازمات،فيما الصواب هو ايجاد بديل اقتصادي ينسجم مع الامكانيات و الموارد التي تزخر بها المنطقة المتوسطية و توظيفها توظيفا لائقا لفائدة التنمية السوسيو اقتصادية.
كتبها للمغرب الأزرق : حاميد حليم
مستشار في الاعلام البحري و التواصل.