لا يدرك معظم الصيادين حول العام أنه يلعبون دوراً مهماً للغاية في مكافحة تغيرالبيئة والمناخ. ففي كل مرة يخرجون فيها إلى البحر، يُفرغ مصادر البروتين الحيواني الأقل من حيث إنتاج الانبعاثات الكربونية حول العالم.
صيد من السمك السطحي الصغير او المتوسط تُحفَظ في الزيت وتُعبّأ في عبوات زجاجية في المصانع الواقعة على بُعد ميل ، تصبح حلاً لا ينال ما يستحقه من إشادة للكوكب الذي ترتفع درجة حرارته. فهي وجبة رخيصة الثمن، ولا تحتاج إلى الطاقة لتبريدها، وتقريباً لا تفسد أبداً، ويمكن ببعض الجهد صيدها بشكل مستدام.
واقعيا فإ الدول الغنية هي الأكثر إضراراً بالبيئة بالنسبة لنصيب الفرد، ومن بين كل اختيارات أسلوب الحياة، تُعدّ التغيرات الغذائية من بين الأعلى تأثيراً على تقليل الكربون. ذلك لأن سلسلة إمداد الغذاء مسؤولة عن 35% على الأقل من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على مستوى العالم، وفقاً لورقة بحثية نُشرت في 2020 وأشرف عليها علماء من جامعة إلينوي في إربانا-شامبين. تبلغ الانبعاثات الناتجة عن الغذاء ذي الأصل الحيواني ضِعف نظيرتها الصادرة من النباتات، لكن عواقب البروتينات الحيوانية تختلف بشكل كبير.
وفقاً لدراسة جديدة منشورة في مجلة “نيتشر ريفيوز إيرث آند إنفايرومنت” (Nature Reviews Earth and Environment)، يمكن أن يكون لتقليل تناول المصادر الأكثر إنتاجاً للانبعاثات، مثل اللحوم، لصالح بدائل أقل إنتاجاً للكربون، تأثير كبير وفي الوقت نفسه، تقديم فوائد غذائية أعلى.
حل أزمة المناخ
لا يحتاج السمك البرّي للكثير من الأشياء، فلا يوجد علف له، مما يقضي على مصدر ضخم للانبعاثات مرتبط بتربية المواشي التي تتغذى على الحبوب أو تعتمد على المراعي العشبية، كما لا يوجد حاجة للطاقة لتنمية أو الحفاظ على المصايد، ولا يتجشأ السردين غاز الميثان مثل الماشية. البصمة الكربونية المحدودة الناتجة عن أكل السمك البرّي تأتي بشكل رئيسي من الوقود الذي تحرقه مراكب الصيد.
مقارنة بالتأثير العالمي لكل الإنتاج الزراعي والحيواني، يمثّل صيد السمك البرّي 4% فقط من إجمالي الانبعاثات، وفقاً لدراسة في 2018 بمجلة “نيتشر كلايمت تشينج” (Nature Climate Change). كما أن نوع السمك الذي تجري تعبئته يمثّل حصة لا تُذكر تبلغ 2% من الانبعاثات الضئيلة المرتبطة بصيد السمك البرّي.
العقبة الرئيسية أمام التوسع في استهلاك السمك المعلب هي ضمان أن تظل مصايد الأسماك الحرة مصدراً متجدداً، وفي مأمن من النضوب بسبب الإفراط في الصيد.
مصادر مستدامة
بارت فان أولفن، وهو شيف سابق بأحد مطاعم باريس الحائزة على نجمة ميشلان، الذي ترك وظيفته ليدير عمله الخاص كبائع سمك في مسقط رأسه بأمستردام، تعلّم ذلك الدرس بالطريقة الصعبة. يقول فان أولفن: “إحدى المؤسسات غير الحكومية التي كنت أعمل معها جاءت إلى متجري ولفتوا نظري إلى أن 80% من السمك المعروض للبيع جاء من مصادر غير مستدامة. ليس منطقياً أن تحاول خفض بصمتك الكربونية فيما يأتي السمك الذي تبيعه من مصدر غير مستدام”.
رغم ذلك، في هذه اللحظة، يعتمد مجلس الإشراف البحري (MSC)، وهو مؤسسة غير هادفة للربح تدعم أكبر برنامج للصيد المستدام، 16% فقط من حصيلة الصيد البرّي في العالم كمصادر مستدامة. يجمع المجلس بيانات من العلماء والصيادين لتحديد ما إذا كانت عمليات الصيد في أحد المصايد تسمح بالاستدامة.
يراعي المجلس عدم الإفراط في الصيد، ويؤكد أن الأسماك يتم اصطيادها بطرق لا تضر البيئة البحرية وتقلل من عدد الكائنات البحرية من الأنواع الأخرى التي يجري الإمساك بها عن طريق الخطأ، مثل أسماك القرش والدلافين والسلاحف.أقصى استفادة
السمك الصغير الذي يعيش في البحر، وعادةً ما يُباع معلباً، يكون موجوداً بعيداً عن الساحل وفي المياه الوسطى أو الطبقات العليا من المحيط. يقول إدوارد لو بارت، المدير الإقليمي لمجلس الإشراف البحري بجنوب أوروبا إن ذلك السمك “يتكاثر بسرعة كبيرة” أيضاً، مضيفاً أن “الجزء الوحيد الصعب هو إدارة مصايد الأسماك، لكن بمجرد أن تفعل ذلك، تشكّل مصدراً متاحاً للبروتين”.
يعتزم المجلس سحب اعتماده من المصايد التي تتخطى حدودها من خلال الإفراط في الصيد أو استخدام أساليب تضر بفصائل أخرى. وذلك ما حدث فعلاً مع مصايد السردين في البرتغال وخليج غاسكونيا وجنوب بريتاني، الذين فقدوا اعتمادهم، فيما انخفضت أسهمهم. فقدت أنشوجة بحر كانتابريا أيضاً اعتمادها من مجلس الإشراف البحري، ثم استعادتها بعد بضع سنوات، عندما تعافت مخزونات الأسماك.
يقول لو بارت: “الأمر يتعلق يتحقيق أقصى استفادة من المصايد، لكن أقصى استفادة لا تعني الصيد بأكبر قدر ممكن، وإنما الصيد بطريقة تسمح لنا بتحقيق أرباح من هذا المورد كل عام”.