المغرب الأزرق
مصعب السوسي- الرباط – «القدس العربي»:
تكتسي اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي بعدا سياسيا، ذلك أن الاتحاد يربط الاتفاقية بشروط تتعلق باحترام حقوق الإنسان في ملف الصحراء، حيث ستنشط حوالي 126 سفينة صيد أوروبية قبالة السواحل الصحراوية.
وتتيح هذه الاتفاقية الصيد في المياه المغربية مقابل 40 مليون يورو سنويا، وتأتي بعد نجاح مفاوضات من عدة جولات بين الطرفين. حيث وقعت نسختها الأولى في بروكسل شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2013 على الرغم من احتجاجات جبهة البوليزاريو التي تنازع المملكة المغربية السيادة على الصحراء بمساع انفصالية قصد إقامة دولة مستقلة تحت مسمى «الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية». وتتهم الجبهة المغرب بـ»نهب» ثروات منطقة الصحراء التي كانت محتلة من طرف إسبانيا وتم استرجاعها على مراحل ما بين سنتي 1958 و1979، كما تركز أيضا على طرح الملف الحقوقي بالمنطقة من أجل فرض المزيد من الضغط على المملكة وأيضا للحصول على دعم دولي لا سيما من طرف النواب الأوروبيين. وهو ما أدى إلى ربط الاتفاقية مع المغرب بتحسين ظروف حقوق الإنسان بالمنطقة المتنازع عليها، إضافة إلى تخصيص جزء من التعويضات الأوروبية لفائدة ساكنة هذه المناطق.
وجرت 6 جولات من المفاوضات بين الطرفين استمرت سنة ونصف، بسبب تشدد الاتحاد في ملفات اعتبرها المغرب تمس «السيادة الوطنية»، قبل بعدها المغرب بأن تشمل الاتفاقية إشارة إلى حقوق الإنسان في منطقة الصحراء. ويشمل البروتوكول الذي وقعه كل من عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري المغربي، وماريا دمناكي، مفوضة الاتحاد الأوروبي للشؤون البحرية والصيد، 5 مجالات للصيد شهدت تراجعا مقارنة مع البروتوكول السابق الذي كان يفتح السواحل المغربية أمام 137 سفينة صيد. وحدد مبلغ 14 مليون، من إجمالي القيمة المالية السنوية للبروتوكول البالغة 40 مليون أورو، لمواصلة تنفيذ مخطط «آليوتيس» لتطوير قطاع الصيد البحري في المغرب إضافة لإحداث مشاريع تنمية مستدامة بالمنطقة.
وبحسب الاتفاق الذي وقع قبل أيام بين المغرب والاتحاد الأوروبي ستعود 126 سفينة صيد أوروبية، أغلبها من إسبانيا، لاستئناف نشاطها بالمياه المغربية. وسلمت اللجنة المشتركة المكلفة بتفعيل بروتوكول الاتفاق الجديد للشراكة رخص الصيد للسفن الأوروبية التي تستجيب للشروط التي تمكنها من العودة لمزاولة نشاطها في المياه الإقليمية للمغرب. وتقدر خسائر الصيادين الإسبان، المنتظمين في إطار كل من الكونفدرالية الإسبانية للصيد البحري والفدرالية الأندلسية لجمعيات الصيد البحري، بمئات الملايين من اليوروات جراء عدم تجديد الجمعية البرلمانية الأوروبية في ستراسبورغ للبروتوكول السابق للصيد أواخر سنة 2011. ويتيح الاتفاق لنحو 400 صياد إسباني إمكانية استئناف نشاطهم بالسواحل المغربية، كما يوفر أكثر من 300 فرصة عمل غير مباشرة على مستوى الصناعات ذات الصلة بالقطاع في إقليم الأندلس جنوب إسبانيا، والذي عانى كغيره من أقاليم البلاد من تداعيات الأزمة الاقتصادية التي تشهدها إسبانيا إلى جانب دول أوروبية أخرى.
ورحبت المفوضية الأوروبية بعودة أسطول الصيد البحري الأوروبي إلى المياه المغربية، مشيرة إلى أن «المصادقة على الاتفاق مع المغرب ستسهم في تطوير قطاع الصيد البحري في البلاد». ونقلت وكالة الأنباء المغربية الرسمية عن المفوضية أنها تعد البروتوكول الجديد للصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي من «جيل جديد من الاتفاقيات التي رأت النور عقب مباشرة إصلاح سياسي موحد للصيد البحري في الاتحاد الأوروبي الذي يركز بشكل قوي على الاستدامة البيئية والنجاعة الاقتصادية والشرعية الدولية». وقالت، ماريا دامناكي، المفوضة الأوروبية المكلفة بشؤون الصيد البحري، أن الاتفاق «نموذج لحكامة مسؤولة للصيد على المستوى الدولي». مضيفة: «لقد انتظر الصيادون عندنا أكثر من سنتين. الاتفاق بين المغرب والاتحاد الأوروبي يضمن صيدا مستداما، خاصة وأن الكميات المسموح بصيدها من طرف سفن الاتحاد الأوروبي لا تتجاوز المستويات العلمية».
وصرح روبرت جوي، سفير الاتحاد الأوروبي في المغرب، في وقت سابق أن «البروتوكول الجديد يعود بالفائدة على الطرفين ويبدد بشكل مباشر القلق الذي عبر عنه البرلمان الأوروبي في 2011، على الأصعدة الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، عن أي آثار على السكان في مناطق الصيد». في حين تعتبر «الممثلية الأوروبية لجبهة البوليزاريو» هذا الاتفاق «مخالفا لمبادئ القانون الدولي»، والذي «في حال طبق سيزعزع استقرار وضع متفجر أصلا في المنطقة». وقد كان مجلس الأمن الدولي قد درس سنة 2000 مسألة الشرعية الدولية لاستثمار موارد الصحراء وخلص إلى أنه «لا يجب اتخاذ أي إجراء يضر بمصالح وإرادة السكان».
ويبلغ عدد الدول الأوروبية المعنية بشكل مباشر باتفاق الصيد مع المغرب 11، وهي: إسبانيا، والبرتغال، وإيطاليا، وفرنسا، وألمانيا، وليتوانيا، ولاتفيا، وهولندا، وايرلندا، و بولندا، وبريطانيا. وكانت آخر جولات التفاوض في 18 و19 تموز/يوليو سنة 2013، وقد تزامنت مع زيارة العاهل الإسباني خوان كارلوس الأول للرباط بدعوة من العاهل المغربي محمد السادس. ويقدر عدد السفن الإسبانية في الأسطول الأوربي الذي سيستأنف نشاطه بعد أيام بـ100 سفينة إسبانية من أصل حوالى 126 سفينة صيد. وتبلغ مدة الاتفاق الجديد 4 سنوات، يصبح ساري المفعول بعد موافقة كل من البرلمان المغربي والأوروبي عليه.
وسبق أن برر النواب الأوروبيون رفضهم تجديد الاتفاق نهاية 2011 بالقول أن «التجديد لا يعكس بوضوح مصالح شعب الصحراء الغربية». وتخضع المناطق الصحراوية للسيادة المغربية، وتعد سواحلها الطويلة من أغنى المناطق بالأسماك في العالم. وقد طالب النواب الأوروبيون حينها باستثناء المناطق الصحراوية من الاتفاق، ما تسبب في توتر بين المغرب والاتحاد الأوروبي. وطالب الصيادون الإسبان المتضررون من تصويت البرلمان الأوروبي ضد تجديد اتفاق الصيد البحري مع الرباط بـ»تعويض»، كما تظاهر مئات منهم ضد قرار البرلمان الأوروبي. ووضع المغرب قبل 3 سنوات استراتيجية «هاليوتيس» للنهوض بالصيد البحري وتنظيم استغلال موارده السمكية عبر تحديد المناطق المفتوحة للصيد حسب نوعية الأسماك، وتحرص الاستراتيجية على ترك 30 بالمائة من الأسماك المتوفرة في البحر من أجل ضمان تكاثرها بشكل جيد وفق المعايير البيولوجية المتعارف عليها. ويجري توزيع الكميات المتاحة للصيد على المراكب المغربية في شكل حصص حسب طاقتها، وبعدها يجري فتح إمكانية الصيد في الحصة المتبقية أمام المراكب الأجنبية.
ويحظى المغرب لدى دول الاتحاد الأوروبي منذ سنة 2008 بوضع متقدم، يجعله في مرتبة أقل من عضو وأكثر من شريك عادي في الاتحاد، حيث تكون له الأولوية في الدعم والشراكات والاتفاقيات والتعاون. ويعد الاتحاد الأوروبي أول شريك تجاري للمغرب بقيم مبادلات تناهز 26 مليار، و7 مليارات يورو لمبادلات الخدمات سنة 2012. وتعتبر المفوضية الأوروبية، باعتبارها الجهاز التنفيذي للاتحاد الأوروبي، هي المسؤولة عن تطبيق التشريعات الصادرة عن البرلمان والمجلس الأوروبيين. وتمثل المفوضية الاتحاد على الساحة الدولية، وتفاوض نيابة عنه في الاتفاقيات الدولية خاصة في مجالي التجارة والتعاون. وكان مجلس الاتحاد الأوروبي قد بدء بمفاوضات من أجل إنشاء منطقة لتبادل حر معمق وشامل مع دول: المغرب، ومصر، والأردن، وتونس. وصادق على توصيات المفاوضات في هذا الاتجاه.
وانعكس التوتر بين الرباط وبروكسيل بشكل جلي حين طالب الاتحاد الأوروبي المغرب شهر نيسان/أبريل الماضي بالإسراع في المصادقة على اتفاقية الصيد البحري والسماح بدخول سفن الصيد الأوروبية إلى المياه المغربية، وفقا للبنود التي تضمنها الاتفاق الموقع بين الطرفين في تموز/يوليو من سنة 2013. وانتقد الاتحاد الأوروبي حينها تأخر المغرب في فتح المياه الإقليمية لسفن الصيد الأوروبية. حيث وصفت هلين بانر، الناطقة الرسمية باسم الهيئة الأوروبية، تأخير المغرب في المصادقة على اتفاقية الصيد البحري بـ»المؤسف»، مجددة الدعوة للسلطات المغربية للقيام بذلك في أقرب وقت ممكن. حيث كانت اتفاقية الصيد مع المغرب جاهزة، ولا ينقصها إلا التأشير عليها بشكل رسمي. وذلك في ظل ضغوط من الحكومة الإسبانية التي عانت سفن صيدها من عطالة فرضها تأخير المصادقة النهائية على الاتفاقية.
وكان المغرب والاتحاد الأوروبي قد توصلا إلى الاتفاق بعد عملية تفاوض وصفت بـ»الطويلة والمعقدة للغاية»، وهو الاتفاق الذي يقضي بأن يفتح المغرب مياهه أمام سفن الصيد الأوروبية مقابل 40 مليون أورو سنويا. ويأتي الموقف الأوروبي الجديد عقب أزمة تجارية غير مسبوقة بين المغرب والاتحاد الأوربي، والتي بلغت حد تعديل أسعار دخول الصادرات الفلاحية، في تناقض مع مضامين الاتفاقية الفلاحية التي وقعها الطرفان منذ سنوات. حيث جاء رد المغرب بعد أزمة الصادرات الفلاحية على لسان زكية الدريوش، الكاتبة العامة لقطاع الصيد البحري، التي أكدت أن «اتفاق الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي ما زال لم يحظ بالموافقة النهائية عليه، وأنه سيأخذ وقته الكافي من أجل ذلك». مضيفة أنه لم يتم بعد تحديد أي تاريخ لانعقاد اللجنة المشتركة المغربية- الأوروبية حول اتفاقية الصيد البحري، والتي يعد انعقادها إيذانا بشروع السفن الأوروبية بالصيد. موضحة أن «هذه اللجنة لا يمكن أن تنعقد إلا بعد المصادقة النهائية على الاتفاق»، وهو ما حرك الأوروبيين ودفعهم للمطالبة بتسريع تنفيذ الاتفاق. كما برزت مخاوف أخرى من أن تؤثر تلك الأزمة بين المغرب والاتحاد الأوربي على المفاوضات الخاصة باتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق، والذي اختتمت آخر جولة من مفاوضاته دون تحقيق تقدم ملموس. وكان الاتحاد الأوربي قد قام بالاعتماد النهائي لتفويض يقضي بتنزيل مشروع إصلاح التنظيم المشترك للأسواق، ويشمل تعديلات بنظام أسعار ولوج الفواكه والخضر المغربية إلى الأسواق الأوروبية. ويقضي هذا التصرف التفويضي، الذي أقرته لجنة الفلاحة في البرلمان الأوروبي مطلع نيسان/أبريل الماضي، باعتماد قيود جمركية على ولوج المنتجات الفلاحية المغربية للأسواق الأوربية.
وافق البرلمان الأوروبي أواخر سنة 2013 على اتفاقية الصيد البحري مع المغرب بعد عامين من الرفض بسبب مخاوف من أن تعزز «سيطرة الرباط على منطقة الصحراء الغربية المتنازع عليها». وتسمح الاتفاقية للصيادين من الاتحاد الأوروبي بالصيد في مياه الصحراء رغم أن الحكومة المغربية ليس لها الحق في بيع موارد هذه المنطقة بموجب القانون الدولي. وانتقد أعضاء في حزب الخضر بالبرلمان الأوروبي الاتفاق لأسباب سياسية وبيئية. وصرح راؤول روميفا، المتحدث باسم شؤون المصايد وحقوق الإنسان في الحزب، في حينه أن بيان «اتفاقية الصيد بين الاتحاد الأوربي والمغرب هي أسوأ الحلقات المخزية في سياسة الاتحاد الأوروبي الاستعمارية الجديدة للمصايد». وأضاف روميفا أنه «علاوة على قضية الصحراء الغربية، لا تزال نفس المخاوف قائمة فيما يتعلق بالطبيعة الضارة للبيئة للاتفاق من منظور الصيد البحري وأساسه الاقتصادي المشكوك فيه». كما صرح مسؤولون في البرلمان الأوروبي أن التصويت كان متقاربا نظرا لأن كثيرا من المشرعين الأوربيين يعتقدون أن الوضع السياسي لم يتحسن منذ تصويت سنة 2011 الذي رفض فيه البرلمان الاتفاق السابق. وعبر البرلمان الأوروبي في مذكرة له عن أن «اتفاقية الشراكة الجديدة في الصيد البحري بين الاتحاد الأوروبي والمغرب تتيح فرصا أفضل للصيد مقابل مساهمة مالية أقل من الاتحاد، حيث انخفضت إلى 30 مليون يورو (41.2 مليون دولار) من 36 مليون يورو سنويا».
ويفرض الاتفاق على المغرب تقديم تقارير منتظمة بشأن استخدام المساهمة المالية فيما يتعلق بالمزايا الاقتصادية والاجتماعية. وصرحت وزارة الخارجية المغربية في بيان سابق لها أن «قيمة الاتفاق الجديد 40 مليون يورو»، وأن «المغرب سيخصص 14 مليون يورو من هذا المبلغ لتعزيز وتحديث قطاع الصيد البحري». وأضافت الخارجية المغربية أن الاتفاق» يسمح لعدد 126 سفينة صيد أوروبية بالصيد في المياه المغربية مقابل 137 سفينة في الاتفاق السابق».