يشكل التكوين البحري عصب التنمية البشرية و السوسيو اقتصادية في قطاع الصيد البحري. و رغم الطفرة التي شهدها المغرب خلال السنين الاخيرة في إطار المشروع السيادي “مغربة الاطر”، او تأهيل الموارد البشرية بما ينسجم مع حاجيات السوق و التطور التكنولوجي في الملاحة البحرية و الصيد البحري.
يبقى الخصاص في اليد العاملة شبحا يؤرق بال المجهزين بسبب تعطيل نشاط الصيد ، ما يجعلهم أمام اختيارات صعبة على رأسها إما الانتظار و إما الحل الترقيعي “الرخص المؤقتة” او الاستعانة بأطقم غير جاهزة او غير مؤهلة تأهيلا مهنيا كافيا. و هو ما يترتب عنه في افضل الظروف عدم الاستقرار في نشاط وحدات الصيد، و بالتالي تراجع في المردودية أو الدخول في متاهة “السلف” و الإنزال و الخلافات، أو ارتكاب أخطاء مهنية كالصيد غير القانوني او حوادث تسبب خسائر مادية و بشرية.
في هذا الإطار تقدمت الجامعة الوطنية للصيد البحري و الملاحة التجارية المنضوية تحت لواء الاتحاد العام للشغالين بالمغرب بمسودة تُشَرِّح واقع قطاع الصيد البحري و إشكالية الخصاص في اليد العاملة، التي تجد جدورها في تراجع الجاذبية في قطاع الصيد البحري، بسبب عوامل عدم الاستقرار بسبب تحكم الطبيعة في نشاط الصيد من حيث الزمن و من حيث المصيد، و بسبب ظروف العمل القاسية و نظام الحصة و كذلك فضاء العمل.
فرغم ما تم تخصيصه من دعم لتطوير مراكب الصيد البحري فقد اقتصر التركيز على جودة وحدات الصيد لحماية المنتوجات البحرية على حساب العنصر البشري، حيث يبقى العنبر أجود و أنظف من مرقد الصياد لا من حيث السعة و لا من حيث البيئة، فيما يتقاسم الصيادون المراقد مع الجرذان في وسط غير صحي.
من بين معضلات التي عطلت تطور قطاع الصيد البحري وفق رؤية اليوتيس الريادية، هو نظام العرف و الحصص المعمول به و الذي يجد فيه أرباب المراكب و المنتفعون من الصناديق الاجتماعية و الجماعية ملاذا لتحقيق الارباح، حيث أصبح عامل هدم لاقتصاد مجتمعات الصيد البحري في ظل ارتفاع تكاليف العيش و تكاليف الانتاج، و بالتالي فإن هذا النظام بات يشكل عاملا كبيرا في تراجع الإقبال على الابحار.
و رغم فتح مؤسسات التكوين لأنماط التكوين السريع لتغطية طلب السوق، تحت ضغط دعوات بعض الجهات التي تمتهن “الدعاية” ، فإن الطلب على اليد العاملة لا يزال حادا خصوصا في بعض الأصناف كالصيد بالخيط ، ما يكبد القطاع الوصي هدرا للمال العام و استنزافا للموارد البشرية.
ولا شك أن من بين الخطوات المهمة لوقف النزيف و هدر المال العام ، هو فتح ورش وطني لتحيين قوائم البحارة الفعليين و النشطين عبر إحصاء رجال البحر.
هذا الاجراء -و المغرب يستعد لإجراء إحصاء وطني- كفيل بتقديم صورة عن العدد الحقيقي و الرسمي لرجال البحر النشطين، و مكافحة الأشباح الذين يستفيدون من تحويلات أموال البحارة الفعليين الى رصيدهم في صندوق الضمان الاجتماعي.
الى جانب ذلك سيكون على مديرية التكوين البحري و الانقاذ و رجال البحر، اعتماد نظام جديد لتجديد رخصة الإبحار بما يحيط بها من إعادة التأهيل و التكوين المستمر لرجال البحر، و هو ما سيمكن الطواقم من تحيين معارفها و مواكبة التشريعات و القوانين و كذلك التقنيات، و ينعش من جهة أخرى دور مؤسسات التكوين التي تعاني الإفلاس في ظل تعاظم شيخوخة مواردها البشرية.
الجامعة الوطنية للصيد البحري و الملاحة التجارية المنضوية تحت لواء الاتحاد العام للشغالين بالمغرب ،و في مسودتها المرفوعة الى وزير الفلاحة و الصيد البحري و التنمية القروية و المياه و الغابات، دعت تنويع العرض التكويني، مؤكدة على أن التوجه العام للمملكة المغربية نحو الاقتصاد الازرق بات معه من الازم و الضروري رفع وتيرة الإعداد للانخراط في الرؤية الملكية لمواكبة هذا المشروع و تأهيل موارد بشرية و ذلك من خلال إحداث شعب جديدة في الصناعات البحرية، تثمين الموارد البحرية، تربية الأحياء المائية، الصيد الترفيهي و الغطس…. حيث تبقى التنافسية تحديا كبيرا لا يزال يواجه المغرب خصوصا بعد الهزات الاقتصادية التي ضربت العالم و معها حركة التنقل الدولي البري و البحري، والسياحة، و بحث المنافسين المستمر عن الاسواق و مصادر التموين.
و لن يستقيم التكوين البحري الا بتكوين الاطر و تأهيلها لمواكبة السياسات العمومية، حيث يعتبر تكوين الاطر ركنا اساسيا لتجويد التكوين البحري، و للأسف و منذ احداث مؤسسات التكوين ، يعين المكونون مباشرة بعد اجتياز مباراة الولوج للوظيفة العمومية دون اعتبار لشرط الكفاءة المهنية أو البيداغوجية و للمستوى الدراسي الاكاديمي ، و هو ما يجعل مؤسسات التكوين كمختبرات يتم فيها التمرس على طلبة و تلقينهم الخبرة الميدانية(الشخصية) التي اكتسبها المكون خلال ممارسته مهنية الابحار،و التي غالبا ما تكون على متن سفن الصيد بأعالي البحار، و هو ما يفسر وجود أعداد كبيرة من الخرجين المعطلين حاملي شهادات عليا في الصيد البحري من مؤسسات التكوين البحري.
الجامعة الوطنية للصيد البحري و الملاحة التجارية في هذا الاطار قدمت حزمة مقترحات منها :
- احداث مركز للتكوين و التكوين المستمر للأطر قبل التعيين في مؤسسات التكوين البحري بشروط جد موضوعية على رأسها المستوى الاكاديمي و الخبرة المهنية.
- إحداث منصات للتكوين الرقمي لتمكين الطلبة و ذوي المصلحة من جميع المستويات من مواكبة الدروس و المقررات عن بعد.
و لأن الارشاد البحري جزء من التكوين البحري بالنظر الى أهميته الكبيرة و مهمته الجسيمة في التحسيس و تقويم السلوكات غير الرشيدة، غير أن المنظومة لم تطور آلياتها ، حيث بقيت حبيسة الخرجات الموسمية المعدودة و التي تغطي فقط بعض المناطق.
و يرجع ذلك الى غياب سياسة موحدة و رؤية استراتيجية تقارب حاجيات القطاع و تواكب السياسة العمومية لصناع القرار، و تجعل من منظومة الارشاد مركزا للدراسات و منصة تواصلية تلعب دورا حاسما في تأهيل الرأي العام المهني لاستقبال القرارات الادراية ، و قاعدة لاستبيان الاشكاليات الميدانية التي يتخبط فيها المهنيون تسهل كذلك على صناع القرار الاحاطة بهذه الاشكاليات و معالجتها بشكل فوري .
و في هذا الإطار تقترح الجامعة الوطنية للصيد البحري و الملاحة التجارية، اعادة النظر في منظومة الارشاد البحري بشكل مستقل عن مؤسسات التكوين البحري مدعومة بامكانيات لوجيستية و اطر مؤهلة و ذات خبرة في مجال التواصل ، و انتاج الوسائط السمعية البصرية و ادارة التواصل الرقمي باللغات الرسمية و اللهجات.