تختبر تحديات تغير المناخ صمود القطاعات الزرقاء في المغرب، مثل مصايد الأسماك والشحن والسياحة الساحلية والتي تشكل مجالات مهمة للتنمية الشاملة وتوليد الوظائف وتحفيز مشاريع ناشئة من التقنية الحيوية البحرية والطاقة البديلة.
ويرى البنك الدولي أنه تمت إدارة الاقتصاد الأزرق على نحو مستدام، فقد يصبح محركا اقتصاديا يحقق منافع، منها الأمن الغذائي، وزيادة فرص العمل، وتحسين سبل كسب العيش، والحفاظ على التنوع البيولوجي، وزيادة القدرة على مواجهة الاحتباس الحراري.
ويستثمر البلد بصورة جادة في هذا المجال، إذ أنشأت الحكومة برنامجا يركز على التنمية الاقتصادية وفرص العمل والأمن الغذائي وإدارة الموارد الطبيعية، بدعم من برنامج الاقتصاد الأزرق يتبع للبنك الدولي قائم على التمويل وفقا للنتائج.
لكن تعظيم فوائد هذا المجال يتطلب معالجة الآثار الملحة لتغير المناخ، ووصفت المؤسسة المالية الدولية المانحة في تقرير نشرته في منصتها الإلكترونية مؤخرا أن المغرب “بؤرة مناخية ساخنة”.
وعلل معدوا التقرير ذلك بأن البلد شهد ارتفاعا في معدل الحرارة بمقدار 0.2 درجة مئوية لكل عقد في المتوسط منذ ستينات القرن الماضي، أي ضعف المتوسط العالمي البالغ 0.1 درجة مئوية لكل عقد.
وبحسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن المتوسط السنوي لدرجة الحرارة السطحية في منطقة البحر المتوسط يزيد بالفعل بمقدار 1.5 درجة مئوية من مستويات ما قبل الثورة الصناعية. وأصبحت الظواهر الجوية بالغة الشدة، مثل موجات الحر والجفاف أكثر تواترا، مما يزيد من خطر اندلاع حرائق الغابات.
ويتعرض الساحل المغربي، الذي يضم نحو 80 في المئة من الصناعات في البلاد ويسهم بنحو 60 في المئة من إجمالي الناتج المحلي للبلاد، بشكل خاص لخطر آثار تغير المناخ.
وخلال الفترة الفاصلة بين 1984 و2016، بلغ متوسط تآكل سواحل على المتوسط 14 سنتمترا سنويا، فيما كان الرقم عند 12 سنتمترا على المحيط الأطلسي، أي ما يقرب من ضعف المتوسط العالمي.
وتحتاج جميع قطاعات الاقتصاد الأزرق في المغرب إلى بناء القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ لتمكين النمو المستدام، وخاصة السياحة الساحلية.
وبالإضافة إلى تآكل السواحل الذي يضر بالبنية التحتية السياحية الرئيسية، فقد تؤثر الأحوال الجوية المتغيرة أيضا على سلوك السائحين.
وكانت بعض الدراسات قد أظهرت أنه بحلول نهاية العقد الحالي، من الممكن أن يصبح حوض المتوسط شديد الحرارة بالنسبة لصناعة السياحة جراء الاحتباس الحراري.
ووفق مسح للبنك الدولي، فقد أفاد حوالي 70 في المئة من السياح بأنهم سيغيرون وجهتهم إذا ارتفعت درجات الحرارة على نحو لا يمكن تحمله. كما أفاد أكثر من 80 في المئة من السياح بأنهم سيذهبون إلى مقاصد أخرى كرد فعل من جانبهم تجاه الأضرار الهائلة التي قد تلحق بالشواطئ.
وبحثت دراسة حديثة للبنك حول انخفاض عدد السياح الذين يصلون إلى المغرب بسبب تغير المناخ، وكيف سيؤثر على الوظائف المرتبطة بالسياحة الساحلية، بسبب خفض الدخل من الإقامة والغذاء والنقل وشراء الهدايا التذكارية والسلع اليومية. وأشارت إلى أن الإنفاق السياحي والاستجابات في المغرب يتماثل مع بلدان أخرى في نفس المنطقة المناخية.
وأوضحت تقديرات هذه الدراسة أن انخفاض عدد السياح الوافدين بنسبة تتراوح بين 8 و18 في المئة، الناجم عن تغير المناخ، يمكن أن يؤدي إلى خسائر بنسبة تتراوح بين 14 و32 في المئة في وظائف الفنادق والمطاعم بحلول عام 2035.
كما أكدت أن القطاعات الفرعية الأخرى، مثل الفنون والترفيه والنقل والخدمات الأخرى، ستتأثر بشدة بسبب انخفاض الإنفاق السياحي الناجم عن تغير المناخ.
ويتطلب بناء هذه القدرة على الصمود إعداد أماكن الإقامة السياحية لتتحمل درجات الحرارة المرتفعة بشكل أفضل، وتحويل عروض السياحة الساحلية الحالية نحو نماذج أكثر استدامة وقدرة على الصمود.
وتقدم الدراسة سلسلة من التوصيات التي يمكن أن تدعم الحكومة المغربية في تنفيذ إستراتيجيتها السياحية 2023 و2026، بما في ذلك الاستثمار والأطر السياسية والمؤسسية وتطوير السياحة البيئية واستخدام مواد البناء التقليدية وتقنيات التبريد.
وبدأت الرباط بالفعل في اتخاذ التدابير اللازمة لبناء القدرة على الصمود في وجه تغير المناخ، وشملت تحويل منشآت الأعمال متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، الناشطة في قطاع السياحة الساحلية بالتعاون مع البنك الدولي.
وعلى سبيل المثال، قامت الحكومة في مدينة أكادير بتقديم الدعم لإحدى مدارس التدريب على ركوب الأمواج عن طريق تركيب ألواح شمسية للحد من انبعاثات الكربون، فضلا عن مساعدتها في تنويع عروض المنتجات التي تقدمها.
كما يقوم البرنامج بدعم جهود الحكومة لاستعادة الغابات الساحلية وتثبيت الكثبان الرملية الساحلية لحماية سواحل البلاد.
وتضع هذه الإجراءات المحلية الأسس اللازمة لبناء مستوى أعلى من القدرة على الصمود في قطاع السياحة الشاطئية إلى جانب حماية الوظائف في مواجهة زيادة حدة تغير المناخ.