يعتبر قطاع الصيد البحري محورا أساسيا في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية بجهة كلميم وادنون ، نظرا لما تختزنه سواحلها من ثروات بحرية تشكل حافزا لاستقطاب المستثمرين المغاربة والأجانب وتلعب دورا حيويا في تنشيط الاقتصاد المحلي والجهوي.
و يكفي أن تشكل نصف الدائرة الترابية للجهة دائرة بحرية لتجعل منها قطبا تنافسيا بحريا يخرجها من دائرة الهشاشة، الذي تستفيد منه جهة سوس ماسة و العيون الساقية الحمراء، غير أن عدم الانخراط الجدي و المسؤول و الفعلي للفاعليين المحليين و الجهويين في بلوة سياسة موحدة تجعل من الاقتصاد البحري خيارا استراتيجيا لأي تنمية سوسيو اقتصادية يتسبب في هدر كبير للثروة و يفوت على الجهة و الأجيال القادمة موعدا أخر مع الرفاه.
فلا يمكن استيعاب توفر جهة كلميم وادنون على مينائين للصيد البحري بأكثر من 500 وحدة للصيد التقليدي و أكثر من 200 وحدة للصيد الساحلي و أكثر من 50 وحدة للصيد بأعالي البحار، و بنية تحتية من محطتين لتسويق المنتوجات البحرية ، و خمس أوراش بحرية لصناعة و ترميم جميع وحدات الصيد البحري و أكثر من 20 وحدة لتثمين و تحويل المنتوجات البحرية، فضلا عن تموقع الجهة على الطريق الوطنية رقم واحد و توفرها على مطارين، مقابل ذلك توفر الجهة على أقطاب التكوين المهني المتخصص في جميع المهن و الموزعة على جميع أقاليم الجهة قادرة على إنتاج يد عاملة محلية مؤهلة.
فيما جهة سوس ماسة و ان كان جحم أسطولها البحري أكبر بكثير من ما هو مسجل بالدائرة البحرية لجهة كلميم وادنون فإنها تتوفر فقط على ميناء واحد و نقط تفريغ و مطار واحد و سوقين لتجارة السمك و أخرى صغيرة علما أن أغلب المفرغات التي يتم تداولها و تصنيعها يتم صيدها بمياه الأقاليم الجنوبية بما فيها سواحل سيدي افني أو طانطان، يتم ترحيلها لتحويلها بمعامل أنزا و ايت ملول.
و اذا كان قطاع الصيد البحري بالجهة بالإمكانيات المتاحة و غير المستغلة بشكل حكيم أن يوفر 10000منصب شغل مباشر بين رجال البحر و تجار السمك و الوحدات الصناعية في تثمين و تحويل السمك فان أضعاف العدد الى خمسة أضعاف و أكثر يمكن أن ترتبط بأنشطة الصيد اذا ما أخذ بعين الاعتبار النقل و اللوجيستيك و التموين و التجهيز و الصيانة و الخدمات الأخرى على طول سلاسل القيمة و سلاسل الإنتاج محليا و وطنيا و دوليا، و القطاعات العمومية و الخاصة المتدخلة في تدبيره كقطاع الصيد البحري و التجهيز و النقل و اللوجيستيك و الماء و الكهرباء و الطاقة و البيئة و الأمن المدني و العسكري…
و لا تقتصر مساهمات قطاع الصيد البحري و الأنشطة المرتبطة به في تخلق فرص الشغل، بل تتجاوزها الى المساهمة في تمويل الصناديق الجماعية من خلال الاقتطاعات المباشرة على البيع يتم تحويلها الى (جماعة سيدي افني،الوطية،الجهة)، و الضرائب غير المباشرة بفضل انعاش اقتصادات القطاعات و الأنشطة المرتبطة و الدينامية الاقتصادية و الرواج الذي تولده .
ان المخططات و البرامج التي أطلقتها الحكومات هلى مدى عقدين من الزمن لم تؤت نتائجها المرجوة لسبب واحد ووحيد و هو افتقاد المجالس المنتخبة للتأهيل اللازم و الموازي لأهلية المؤسسات العمومية القطاعية، فيكفي أن تمر فوق سماء الجهة مخططات كبرى كالموانئ و الصيد البحري و الاحياء البحرية و التكوين البحري و التكوين في مهن البحر دون تحريك ساكن، حتى تفهم لماذا بقيت الجهة حبيسة مشاريع الاسمنت و العقارات و الريع الفلاحي و الثقافي ، فيما أعداد خريجي الجامعات و مؤسسات التكوين البحري تتضاعف كل سنة.
إن التحولات الاقتصادية العالمية نحو الاقتصاد الأزرق و ما تفرضه من ضرورة المواكبة و الانخراط الفعلي للاستفادة من فرص الاستثمار و خلق الثروة يفرض على المجالس المنتخبة و مجلس الجهة خصوصا التحلي بقليل من الجرأة و الخروج من منطقة الراحة zone de comfort والولوج الى المستقبل و التوجه نحو البحر حيث لا تزال الجهة تتمتع بالعذرية و الخصوبة المفتقدة في الجهات المجاورة التي تعرضت مصايدها و سواحلها للاستنزاف و الاستغلال المفرط لمجالها البحري و لوعائها العقاري، وتعمل بشكل تدريجي الى الانتقال نحو بدائل أخرى كالصناعات و الفلاحة و السياحة مع المحافظة على الاستقرار وحدات الصناعات التحويلية للسمك عبر سلة جهة كلميم وادنون.
و لا يمكن لهذا التوجه الجديد أن يستقيم و ينجح الا بمؤازرة اعلامية مهنية و مسؤولة تواكب الجهود و تكون واجهة للتسويق المجالي و لعروض الاستثمار لفرص للاستغلال.
كتبها للمغرب الأزرق حاميد حليم
مستشار في الإعلام البحري و التواصل.