قال إدريس الضحاك، قاض ورجل قانون والأمين العام السابق للحكومة، إن المغرب ساهم بشكل كبير في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لسنة 1982 والذي تعتبر بمثابة دستور المحيطات والبحار.
وأشار الضحاك، في لقاء احتضنته كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بالرباط مساء أمس الأربعاء، إلى أن الاتفاقية الموزعة على 320 مادة تتضمن صياغة مغربية بفضل تجربة المملكة في هذا المجال، حيث كان يرسل وفدا رفيعا للمشاركة في مؤتمرات الأمم المتحدة حول هذا الموضوع.
ساهم المغرب بشكل فعال في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، بالدفاع على تضمينها عددا من المبادئ والقواعد؛ وهو ما انتهى بإحداث مؤسسات جديدة، مثل السلطة الدولية لأعماق البحار واللجنة الأممية لتحديد الجرف القاري والمحكمة الدولية لقانون البحار، ناهيك عن المسؤولية والتعويض عن الضرر في حال التلوث البحري.
وقال الضحاك، صاحب أطروحة دكتوراه الدولة حول “الدول العربية وقانون البحار” وكتابي “الوسيط في قانون الملاحة البحرية” و”الموجز في الصيد البحري وقوانينه”، إن المؤتمر الثالث لقانون البحار يُعتبر أضخم وأكبر وأطول تظاهرة للأمم المتحدة منذ إنشائها؛ فقد دامت أشغاله تسع سنوات من 1973 إلى 1982.
كان المؤتمر قد تضمن ثلاث لجان، وكان إدريس الضحاك ممثلا للمغرب في اللجنة الثالثة التي كانت مهتمة بالبيئة البحرية والبحث العلمي وفيما بعد أصبح ممثلا لكل الدول العربية بعدما تم تبني كل مقترحاته.
وأشار الضحاك إلى أن المؤتمرين الأول والثاني تطرقا لكثير من قواعد قانون البحار؛ لكنهما لم ينجحا في بعض منها، وخصوصا تحديد عرض البحر الإقليمي والجرف القاري، ومعالجة مناطق ما بعد الولاية والسيادة.
تصنيف جديد
اعتبر الضحاك، في مداخلته أمام طلبة الكلية، أن الوقت قد حان للحديث على ثلاثة فروع في القانون بصفة عامة وإعادة تقسيمه إلى قانون بحري وقانون فضائي-جوي وقانون بري.
وفي هذا الصدد، أوضح أن القانون البحري لم يعد كما لا يزال يسميه الكتاب بقانون التجارة البحرية، ويجب أن لا يكون فرعا من القانون التجاري؛ لأن البحار هي مستقبل الإنسانية جمعاء، تضم ثروات معدنية وطاقية كبيرة لا تنضب.
وعاد الفقيه المغربي إلى القرن التاسع عشر ليستحضر الاكتشاف الذي قامت به مجموعة من السفن البريطانية المسماة “challenger” حيث أبحرت ما بين 1872 إلى 1876 ووجدت أن أعماق البحار تزخر بما لا يخطر على بال أحد؛ وهو ما قلب موضوع البحر وجعله أكثر من مجرد وسيلة نقل للسلع أو لصيد السمك.
أكد الضحاك أن أعماق البحار تضم ثروات معدنية هائلة تقدر 1500 مليار طن من المعادن المختلفة؛ لكن حين تم اكتشاف ذلك من طرف السفن البريطانية لم يكن ممكنا تقنيا استغلالها، لأن عمقها يصل في بعض الأحيان إلى 3 آلاف متر.
في الخمسينيات من القرن الماضي، تطورت التقنيات المستعملة في البحر وأصبح بالإمكان الوصول إلى قاع البحر، وأشار الضحاك إلى أن عددا من الشركات سارعت لطلب الإذن لاستخراج المعادن؛ وهو ما كان سيفتح الباب على نوع من التسيب، لأن أغلب هذه المعادن توجد خارج منطقتي السيادة والولاية في البحر.
هذه الثروات الكبيرة، أضاف الضحاك، تكفي الإنسانية لمئات الآلاف من السنين، حيث قال إن “الحديد في اليابسة سينتهي بعد خمسين سنة. أما الكمية الموجودة في البحار فتكفي لعشرات الآلاف من السنين، نفس الشيء بالنسبة النحاس والكوبالت وغيرها من المعادن التي تتجدد تلقائيا”.
أمام تربص عدد من الشركات العملاقة الخاصة بهذه الثروات العميقة في البحار، بادرت دولة مالطا الصغيرة إلى تنبيه الأمم المتحدة إلى هذا الموضوع وأكدت أن هذه الثروة ملك للإنسانية جمعاء ويجب الحفاظ عليها، وهي مبادرة أسفرت عن فكرة تأسيس لجنة الاستخدام السلمي لأعماق البحار والمحيطات وأحواضها خارج نطاق السلطة الوطنية والتي تمخض عنها مؤتمر الثالث لقانون البحار.
وضع المؤتمر الثالث لقانون البحار تنظيما جديدا لمجال البحار، وصدر قرار عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بإيقاف كل الأنشطة التي تقوم بها الشركات الخاصة في أعماق البحار والتي كانت تعود للدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ونيوزيلندا.
وعي القاضي
بصفته قاضيا، كان الضحاك أكثر وعيا بمشكل التلوث في البحار، كما أن الأمم المتحدة أوصت المؤتمر الثالث بأن يدرس موضوع المسؤولية في المحافظة على البيئة البحرية والتعويض عن الأضرار التي تحدث نتيجة التلوث بشكل جدي ومعقول وعملي وسريع.
في هذا الصدد، اقترح المغرب اعتماد مبدأ المسؤولية الموضوعية، وقال الضحاك في هذا الصدد: “إذا كانت دولة تقوم بعمل سيادي مثلا البوارج البحرية أو سفن البحث العلمي أو مراقبة المجالات البحرية والحدود فذلك يجب أن يخضع لمساءلة القانون الدولي العام، أما عمل الشركات في البحر يجب أن تخضع للقانون الدولي الخاص”.
وأشار القاضي ورجل القانون المغربي إلى أن المملكة عملت جاهدة من أجل توضيح مقتضيات عدد من المواد في الاتفاقية، خصوصا المواد 235 و236 و263؛ وهذه المادة الأخيرة تتحدث عن البحث العلمي البحري وما ينشأ عليها من أضرار، وضرورة التمييز بين العمل السيادي وغير السيادي للدولة.
أورد الضحاك أن المغرب كان واعيا بأهمية المحيطات، وتذكر في هذا الصدد مشاركة الملك محمد السادس حين كان وليا للعهد في مؤتمر الأرض بريو دي جانيرو عام 1972. وفي كلمته، تطرق إلى مقتضيات جد مهمة حول المحافظة على البيئة عموما والبيئة البحرية خصوصا.
الضحاك لفت إلى أن المغرب اهتم بهذا الموضوع منذ عقود، لأنه يطل على مضيق جبل طارق الذي تمر منه أكثر من 150 ألف سفينة في السنة؛ وهو ما ينتج أخطار تلوث مهمة. كما أنه يملك شريطا بحريا يمتد لـ3 آلاف و500 كيلومتر؛ وبالتالي كان كل مقتضى قانوني دولي يمسه بشكل مباشر.
جدير بالذكر أن هذا اللقاء، المنعقد برحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بالرباط بمناسبة الذكرى الأربعين للتوقيع على اتفاقية مونتيغو باي لقانون البحار، تخللته لحظة تكريمية للضحاك؛ فقد منح فريد الباشا، رئيس جامعة محمد الخامس بالنيابة وعميد الكلية، اللباس الرسمي للجامعة للقاضي ورجل القانون والأمين العام السابق للحكومة عرفانا له على ما قدمه طيلة مساره العلمي والأكاديمي.