رغم الهجمات التي تعرضت لها كتابة الدولة المكلفة بالصيد البحري خلال الفترة الأخيرة من طرف الخصوم و الحلفاء المزايدين ، على متسوى البرلمان و كذلك وسائل الاعلام ، الا أن الحصيلة الميدانية تفيد بأن هناك منجزات حثيثة على الأرض يتم التشويش عليها في إطار الإحماءات الانتخابية.
و قبل التوسع في الموضوع لا بد هنا من التأكيد على أن قطاع الصيد البحري هو قطاع تقني بامتياز، و لا يحتمل و لا يقبل المزايدات السياسية و لا حتى التسييس.
بالمقابل يتسع هذا القطاع الفريد بطبيعته و ثقافته القادرة على إحتواء الصدمات السياسية و الخطابا الشعوبية التي يتبخر بعد كل منزلة تتوقف فيها أنشطة الصيد ، حيث يطلق رجال البحر حبال المراكب للابحار و السعي وراء رزقهم، كما شهدنا في شهر رمضان.
الشاهد وبعد الحملات التي تبدو بجلاء غير بريئة في سياقها و توقيتها ، وجب الادلاء بما يستوجبه الانصاف و واجب الثناء على مجهود مكونات قطاع الصيد البحري من صناع القرار الى الأجهزة التنفيذية الى كذلك المهنيين الذي يغامرون باستثماراتهم في بحر متلاطم و غير مستقر اقتصاديا و بيئا ، و الى رجال البحر الذين يقدمون ارواحهم قرابين من أجل استمراره سلسلة القيمة في تدوير عجلة التنمية لهذا البلد.
فبعد تعيين السيدة زكية الدريوش كاتبة الدولة في الصيد البحري شهد القطاع ارتفاعا في مستوى السرعة و الأداء، بعد ركود دام لحوالي ثلاث سنوات ،لا على المستوى التشريعي و لا على المستوى القرارات و على مستوى المبادرات.
حيث تم الافراج خلال فرتة وجيزة عن حزمة قرارات شجاعة تهم الحماية الاجتماعية لرجال البحر النشطين و المحالين على التقاعد و ذوي الحقوق. كما تم التوقيع على العديد من الاتفاقيات و البروتوكولات الخاصة بالإدماج السوسيو- مهني و الترقية الاجتماعية لفائدة نساء البحر ، حيث تم التوقيع من مكتب الأمم المتحدة للنساء على مذكرة للتمكين الاقتصادي للمرأة العاملة في الصيد البحري ، فضلا عن الدعم الاقتصادي و التقني لفائدة تعاونيات الصيد البحري ، فيما تبقى الريادة لمشروع ادماج نزلاء المؤسسات السجنية في مهن البحر، و هي مبادرة ستمكن شريحة مهمة من المواطنين المغاربة من ممارسة حقوقهم في الاندماج الاجتماعي و الاقتصادي بعد قضاء فترة المحكومية .
و اذا كانت كتابة الدولة المكلفة بالصيد البحري و في وقت وجيز من تغيير في قيادتها و تعديل دفة سفينتها و تصويب أهدافها نحو ما هو اجتماعي حققت ما حققته ، فلا يمكن هنا الا الإشادة بالمجهود و في معالجة قضايا كانت الى الامس القريب طابوهات تشكل “بعبعا” يخشاه المسؤولون السياسيون ، و على رأسها ما يتعلق بالراحة البيولوجية ، حيث التوقف القسري لمئات البحارة عن الكسب و تعطيل العجلة الاقتصادية للوحدات الإنتاجية.
و بالنظر الى ما تم الإعلان عنه من برامج لفائدة مجتمعات الصيد البحري فأهم ما يميزها هو التفعيل و الترسيم عوض التطبيل و التهليل ، ما يعني التعاقد على الالتزامات ، و ربما هو المفتقد لدى عدد من المصالح الأخرى التي تتخذ من الوعود و الرعود آلية في تدبير فترتها الولائية.
وربما سوء التقدير لشخص و كفاءة السيدة “زكية الدريوش” هو ما حمس الكثيرين لإطلاق العنان للهجوم على كتابة الدولة في الصيد البحري ، و هو للأسف بهجمات بخردة أسلحة صدئة فلكل مقام مقال فليست “زكية” كسابقيها(مع واجب الاحترام لهم) ، فهي العلبة السوداء و العارفة بكل دهاليز الإدارة و القطع المشكلة لفسيفساء قصاع الصيد البحري.
فيكفي متابعة أنشطة كتابة الدولة في الصيد البحري حتى نحصي عدد الاتفاقيات تم التوقيع عليها مع أطراف وطنية و دولية خدمة لقطاع الصيد البحري و للتنمية المستدامة لقطاع الصيد البحري و لمكوناته من صيادين و صناعيين و تجار سمك.. تبقى الإشارة الى أن قطاع الصيد البحري و لمن لا يعرفه هو اشبه بالأسرة الواحدة المتلاحمة و المتضامنة ، التي لا تؤثر فيها العوامل الخارجية بل تزيدها لحمة و تباثا لأمر بسيط قد لا يستوعبه الكثيرون و هو تشابك المصالح بين جميع حلقات الإنتاج على طول سلسلة القيمة في مجتمع يتصف بالذكاء الاجتماعي. و بالتالي فجميع التدابير تمر عبر المفاوضات و التنازلات بين الشركاء و الفرقاء ، فحتى من يوصفون بالحيتان يبقى تغولهم محدود في الزمن نتيجة الفراغ الذي قد يحدث في لحظة بسبب قرار سياسي كما حدث قبل سنين حتى مالت السفينة الى مستوى عطل من سيرها، ما استوجب التدخل القيصري.
كتبها للمغرب الأزرق الاستاذ حاميد حليم
مستشار في الإعلام البحري و التواصل