يعود ملف تسعير السمك السطحي الى الواجهة لكن هذه المرة في غرفة المشورة مجلس المنافسة، والى حين الانتهاء من جلسات الاستماع مع الأطراف المعنية، و اعداد تصور موضوعي يضع المصلحة العليا فوق كل اعتبار.
فمع تراج المفرغات من السمك السطحي و ظهور حالة من عدم الاستقرار في التموين لا على مستوى الصناعات السمكية و لا على مستوى السواق الداخلية.
يبقى الاجتهاد و ابداع حلول منطقة مستدامة هو الورش الذي يجب الاشتغال عليه بكل تجرد و بعيد عن منطق الهمزة و الفروسية و الركمجة.
الشاهد ان تسويق السمك السطحي يخضع الى منطق فوضوي بامتياز، حيث يختلط الحابل بالنابل و تختلط الأدوار و المتدخلين والصلاحيات، ما يضيع المصالح وسط الزحمة.
و في اعتقادنا المتواضع، و في ظل هذه الفوضى المقننة ، فأسهل طريقة للكشف عن الداء هو التشريح و التحليل.
فقطاع تجارة السمك السطحي يخضع الى نظامين للتداول متوازيين يفترض ان لا تلتقيان او يتقاطعان الا في الامن الغذائي و تموين خزينة الدولة ، تحت مسميات سوق السمك الصناعي و سوق الاستهلاك المباشر. و بين هذا و ذاك ظهرت خطوط التقاطع التي أبدع فيها مهندسو القرارات الارتجالية التي عادة ما تفسد السير العادي و تولد أنظمة مجهرية تتكاثر السرطان وتتغول و هي نظام” المجهز التجار”. حيث و مع مرور حوالي عقد كامل من ظهور هذا النظام الهجين الذي كان إحداثه في سياق معين و لهدف تكسير شوكة تجار السمك المعرضة لجور قانون تجارة السمك، اصبح عالة على قطاع الصيد البحري و تجارة السمك و على فاعلا أساسيا في حرق القدرة الشرائية للمواطن.
السمك الصناعي في سوق الاستهلاك الداخلي.
وفق شهادات من قيادات بارزة في قطاع تجارة السمك، فإن كميات مهمة من السمك الصناعي يتم توجيهها نحو سوق الاستهلاك الوطني، فيما المفروض ان توجه لتموين الوحدات الصناعية.
وفق ذات المصادر، فإن الفرق في القيمة بين الوجهتين يصل الى 10 دراهم فيما الثمن المرجعي للسمك الصناعي لا يتجاوز 3,50 سنتيما تشمل جميع المصاريف و الرسوم.
المجهز التاجر.
يتهم تجار السمك صناع القرار بقطاع الصيد البحري بإحداث نظام رديف لتحييد “تجار السمك” و إخراجهم من سلسلة القيمة ، حيث مع اغراق القطاع بحاملي بطاقة تجار السمك في اطار لعبة توازن القوى بين التجار الكبار التقليديين(خصوصا من جبهة الكنفدرالية المغربية لتجار السمك بالجملة) و الإدارة لتسهيل تنزيل قانون تجارة السمك و تمرير القرارات، تم تمكين المجهز من بطاقة تاجر من أجل تثمين منتوجه و حمايته من التوقف المتكرر لنشاط تجارة السمك آنذاك، غير أن النظام الهجين و بعد افول نجم تجار السمك اصبح قوة محتكرة و تحدد مسار السوق و اتجاهاته.
الصيد العرضي .
من بين المنافع غير المعلنة و المتكتم عليها في صيد السمك السطحي و هو الصيد العرضي، و قد يشمل الأسماك السطحية الكبيرة وشبه السطحية الصغيرة و أسماك منها القرب و الدنيس و القاروص…، هذا النوع من الصيد عادة لا يتم التصريح به و يتم ترحيله الى سوق الاستهلاك او تصريفه نحو وحدات التجميد، و تحقق عائدات غير معلنة معتبرة او من يضيع فيها هو البحار، كونها من المصطادات ذات القيمة العالية.
و يمكن الوقوف على الظاهرة من خلال الكم الهائل من الشحنات التي يتم ضبطها على مستوى السدود القضائية محملة باسماك “القشرة” فيما البيانات المصرح تشير الى السمك السطحي.
جهل أم غض طرف.
و ما يجب الإشارة اليه هو عدد الملفات المعالجة في قضايا التهريب السمكي داخل المملكة إذ لا نسمع الا عن تلك التي تقع على مستوى الطريق الوطنية رقم واحد فيما تتشعب مسارات التهريب الى داخل المملكة ، فهل هو إهمال من طرف السلطات التي تتمتع بالصفة الضبطية أم جهل بالصلاحيات.
ونعتقد بالجزم أنه إذا تعبأت الموارد البشرية التي تتمتع بالصفة الضبطية من ولاة و عمال و باشاوات و قياد و درك و أمن وطني وقوات مساعدة و جمارك و مجتمع مدني (الرصد و البلاغ فقط)، لدعم جهود مصالح المراقبة التابعة لقطاع الصيد البحري خارج الدوائر البحرية و الى وسط المملكة و الهوامش حيث يتم تصريف او “دفن” المنتوجات البحرية المفتقدة للجودة و غير القانونية حت طائلة الجهل، سنتمكن من إحكام القبضة على هدر الثروة السمكية و نقدم جوابا شافيا للمواطنين و لجلالة الملك الذي أطلق سؤالا عن مآل الثروة منذ أكثر من عقد.
الحل في تفكيك المسارات.
في اعتقادنا المتواضع، و في إطار المحافظة على المكتسبات و المحافظة على استقرار المنافع بكل موضوعية ، يكمن الحل في احداث مسارين منفصلين بنظام تداول خاص أحدهما موجه حصرا لسوق الاستهلاك الوطني، و الآخر موجه للصناعات السمكية، على أن يتم استرداد السمك الذي فقد جودته و أصبح غير قابل للإستهلاك الأدمي لإعادة تدويره كدقيق سمك، بغض النظر عن نسب البروتين حيث يمكن استعمال دقيق السمك في إنتاج الاسمدة الطبيعية الموجهة للفلاحة و ليس فقط الاعلاف الحيوانية . و هذا لن يتأتى طبعا دون وجود إرادة سياسية و إرادة مهنية في إطار مقاربة تشاركية لتحقيق العدالة المجالية و الضريبية و التنافسية و في إطار من الشفافية المقرونة بالمسؤولية و التواضع.
و الى ذلكم الحين يبقى قطاع صيد السمك السطحي يئن تحت وطأة الاختلالات الناتجة عن التغيرات المناخية و ارتفاع التكاليف و اغلاق السوق الاوربية في وجه المنتوجات الصيدية المغربية، كما يبقى رجال البحر رهينة نظام حماية اجتماعية هش و قاصر ، لا يخدم التطلعات من حيث العائد و النفع.
كتبها للمغرب الأزرق الاستاذ حاميد حليم
مستشار في الإعلام البحري و التواصل.
عضو المرصد الافريقي للصيد المستدام بأفريقيا.