خلف حادث غرق سفينة للصيد بأعالي البحار الذي وقع فجر أمس السبت 20 يناير 2024، حزنا عميق لدى الأوساط المهنية خصوصا في صفوف البحارة.
و تجسد هذه الفاجعة واقعا مريرا يعيش على وقعه قطاع الصيد البحري من حيث المعاناة و الألم النفسي الملازم للبحارة طيلة مسارهم المهني و ما تبقى من سنين التقاعد ، و من حيث التداعيات السوسيو اقتصادية التي يحملها ذوو الحقوق ، كما يجسد المثل العربي”الداخل اليه مفقود والعائد ملود”.
الشاهد من حادث أمس الذي ذهب ضحيته أربعة بحارة و ستة مفقودين ، من أصل 24 أن لا اختلاف بين وحدات الصيد من حيث الرفاهية و هامش الخطر و ضمانات السلامة، اذ أصبحت القوارب كما المراكب و السفن توابيت عائمة تحمل مشاريع أموات و مفقودين مع وقف التنفيذ.
الحادث و الى حين انتهاء التحقيقات الأولية، يطرح سؤال السلامة البحرية، حيث عادة ما يختزل “السلامة البحرية” في التجهيز بمعدات الإنقاذ و الصدريات على متن وحدات الصيد، و نستحضر هنا بالمناسبة “حملة الصدريات ذاتية النفخ” التي تم الترويج لها بشكل مفضوح لم تحل دون ابتلاع البحر لعشرة بحارة في حادث “تيليلا” و لا الحادث الذي سبقه ، فيما تلجم الافواه و تبلع الالسن حول النقاشات الأعمق و هي “أهلية الاطقم” و “حالة السفن المتهالكة”.
فحالة الأسطول الوطني للصيد الصناعي/الخردة، باتت تستدعي استنفار القطاع الوصي على الصيد البحري لضمان سلامة الاطقم، والعمل على إيجاد صيغة لتجديد الأسطول و إعادة تأهيله، بعيدا عن نسخة “برنامج ابحار”.
وفق مصادر مقربة من هذا الصنف (و العهدة على الشاهد) ، فإن العديد من السفن تمت إعادة ترقيعها على مدى أكثر من 40 سنة من الخدمة، حيث تستبدل الألواح الحديدية المخصصة لصناعة السفن بأخرى صناعية.
المداخيل و الأرباح التي يحققها أسطول الصيد بأعالي البحار ، لا تنعكس البثة على حالة الأسطول و جودة عيش الصيادين على متن السفن.
الحادث كذلك يطرح سؤال السلامة البحرية و مسؤولية الدولة في إحداث مؤسسة للبحث و الإنقاذ مستقلة، تكون تحت اشراف وزارة الداخلية و تديرها مصالح الوقاية المدنية للإختصاص و الأهلية ، حيث ستتمتع هذه المؤسسة باستقلالية القرار و النجاعة و الفعالية في الأداء محليا تحت اشراف عمّال و ولات الأقاليم في إطار خلية الأزمة أو لجنة اليقظة او اللجنة الأمنية…الخ.
الحادث كذلك يستوجب اعمال التكوين المستمر للأطقم البحرية لتجديد رخص القيادة و تحيين المعارف و مواكبة التقنيات على غرار ما هو معمل به لدى دول أخرى.
و في إطار الدولة الاجتماعية و المشروع الملكي للحماية الاجتماعية، وجب تحيين القوانين و التشريعات الخاصة برعاية حقوق الارامل والثكالى و الايتام لا من حيث قيمة التعويضات و لا من حيث آجال معالجة الملفات.
يبقى جانب آخر أكثر أهمية يضع حدا لهدر الأرواح البشرية و الخسائر المادية و هو مآل التحقيقات و تحديد المسؤوليات و ترتيب الجزاءات ، إذ أن أغلب حوادث البحر المسجلة بالمملكة الشريفة هي ناتجة عن الإهمال و التقصير بدء من مصالح المراقبة الى المجهزين الى الربابنة الى البحارة أنفسهم.
و اذا كانت الخسائر المادية للحادث تقدر ببضع ملايين درهم بين الأصل و الدين، فإن القيمة الإنسانية لبحار واحد لا يمكن أن تقدر بمال، فما بالكم بعشرة بحارة ، منهم من يعول أسرة كبيرة و آخر رب أسرة،و أخر يحلم ببناء اسرة، هذا فضلا عن هدر مناصب الشغل التي ستستتبع الحادث بالنسبة للناجين و المجهز ، و سيكون من باب الانصاف للمتضررين اجراء تحقيق معمق لتحديد الملابسات و المسؤوليات و ترتيب الجزاءات، و القطع مع سياسة الهروب الى الامام و غض الطرف عن المسؤولين و هضم حقوق المتضررين.
و الى ذلكم الحين، ستبقى حقوق الضحايا دينا ثقيلا أكناف المسؤولين و على حبلا يطوق كل مقصر في حماية الأرواح البشرية و ممتلكين المجهزين.
كتبها للمغرب الأزرق حاميد حليم
مستشار في الإعلام البحري و التواصل.