أصبح التَّكيٌّف الاجتماعي في مواجهة التغير المناخي أمرًا لا محيد عنه في إطار ما يسمى بالاستدامة الاجتماعية. حيث أن قطاع الصيد البحري و منذ سنوات يعرف أزمة صامتة بين عزوف البحارة عن ممارسة مهنة البحر ، و بين استمرار إغراق سوق العمالة بخريجي مؤسسات التكوين البحري.
الأسباب و رغم تعددها ، يمكن تلخيصها في افتقاد القطاع للجاذبية حتى أصبحت مهنة البحر مهنة من لا مهنة له، و الموانئ أشبه ب ال “موقف” .
حيث لا يزال العمل بالحصص هو السائد في الألفية الثالثة، رغم أن قطاع الصيد البحري قطع أشواطا كبيرة في تنظيم القطاع وهيكلة بعض مفاصيله بفضل استراتيجية اليوتيس، فيما الشق الاجتماعي بقي خارج الحسابات، اللهم بعض اللمسات السطحية كالتأمين والتغطية الصحية والاجتماعية المعطوبة. حيث خيم هاجس “الإنتاج” والمحافظة على الثروة السمكية على النقاش العمومي في قطاع الصيد البحري و لسنين دون اعتبار للثروة البشرية.
الموضوع يحتاج الى وقفة مسؤولة، و جرأة في تحديد هوية “رجال البحر” ، من أجل انطلاقة صحيحة مبينة على قاعدة قانونية و أساس متين لمعالجة الاشكالية .
إما اعتبار هذه الشريحة شركاء في الإنتاج و بالتالي تصنيفهم “مجهز/شريك” ماداموا مساهمين في الإنتاج بالمجهود و تكاليف الإنتاج ، أو اعتبارهم يدا عاملة خالصة يسري عليها ما يسري على العمال، و بالتالي تحمل المشغل وحده تكاليف الإنتاج،و تمتيعهم بكافة الحقوق و المستحقات.
إن ورش الحماية الاجتماعية الذي أطلقه جلالة الملك هو ورش مفتوح، و يجب التعامل معه بحذر و بمرونة و خارج الصندوق ، حتى لا تتكرر تجربة الإسقاط الخشبي التي عرفتها نسخة “الضمان الاجتماعي”، التي كشفت عورته خصوصية العمل في قطاع الصيد البحري، الذي تتحكم فيه الطبيعة و ليس السوق.
و في إعتقادنا المتواضع، يجب على الإدارة الوصية على قطاع الصيد البحري باعتبارها المؤتمن على الثروة السمكية الوطنية، و صاحبة القرار و السيادة في الولوج المصايد و حق الاستغلال خصوصا مع تمكينها من إتخاذ القرار السياسي ، إعداد دفتر تحملات متكامل يضمن العدالة في الولوج الى الثروة الطبيعية بشروط موضوعية منها ما هو تقني يتعلق بالملاحة و الصيد ، وفي نفس الوقت يؤمن استقرار الاستثمارات و استقرار فرص الشغل، و يحمي منظومة الحماية الاجتماعية ،و ذلك بربط اقتطاعات التغطية الصحية و الاجتماعية ب”حصص الصيد” ، و هذا المقترح و إن كان سيزعج البعض ، فإنه سيغلق حتما الباب على ما يعرفه القطاع من “سيبة” و أعمال التهريب و التلاعبات في التصريحات و ما يستتبع من فساد ، و يضمن حق الدولة في العائد المباشر و غير المباشر من الحصة (اخطبوط، تونة، قشريات كبيرة، سردين…) ، عوض أن تبقى الحصص ريعا خالصا يستفيد منه فقط الملاك دون عائد على الشركاء في الإنتاج و لا على الجماعات المحلية (موطن الميناء)، و لا على الصناديق الاجتماعية.
دفتر التحملات كذلك يجب أن يشمل شرطا موضوعيا وأخلاقيا بوجبه يتم ادماج خرجي مؤسسات التكوين البحري ، و الا ما جدوى استمرار تفريخ المئات من الضباط ، فيما محاضر اجتماعات دورات غرف الصيد البحري و الاجتماعات الدورية في كل لهيئات المهنية بالإدارة الوصية تشهد على حاجة الاسطول للبحارة.
إشكالية العلاقة بين المشغل و بين العامل في قطاع الصيد البحري يجب أن يتم الحسم فيها بشكل نهائي، بناء على مبدء واحد هو أن الثروة السمكية ملكية عمومية تبقى تحت تصرف وزارة الصيد البحري، باعتبارها الجهة الوصية ، و استغلال المصايد يتم عبر منح هذه الاخيرة رخص الاستغلال السنوي بشكل مؤقت للفاعلين الاقتصاديين وفق شروط تنظيمية.
و بالتالي فمادامت طبيعة علاقة الشغل بين العامل و المشغل تخضع لنظام خاص فمن الواجب الاجتهاد في ابداع الحلول عوض اتخاذ موقف المتفرج على وضعية عمرت أسس لها قانون 1919 الذي تجاوز قرنا من الزمن.
كتبها للمغرب الازرق الاستاذ حاميد حليم
مستشار في الإعلام البحري و التواصل.
عضو المرصد الاعلامي للصيد المستدام بأفريقيا.