مع استمرار نمو الطلب العالمي على المنتجات السمكية، اصبح خلق مجال مناخ أعمال عادل وشفاف أكثر أهمية من أي وقت مضى ، و هو تحدي انخرط فيه المغرب من خلال اعتماده استراتيجية اليوتيس ، كشكل من أشكال التدبير المتقدم بما يلائم الاتفاقيات الدولية و تقتضيه المصلحة على المستوى البيئي و الاقتصادي و الاجتماعي، و المتميز بالسابق لأوانه .
في الوقت نفسه ، تساير سلاسل تسويق المنتجات السمكية البحرية هذا التطور لتطور هي الأخرى من أساليبها و عبر شبكاتها العابرة للحدود ،بما يخدم مصالحها و يحقق أرباحا طائلة لها ، و هو ما يعرض قطاع الصيد البحري و الصناعات السمكية لمجموعة من المخاطر الجسيمة ، و التي تشمل الصيد غير القانوني العشوائئ وغير المصرح به ، والعمل القسري، وانتهاكات حقوق الإنسان ، و التلوث و التأثيرات المتصاعدة لتغير المناخ ، و هو ما يشكل تحديات كبيرة لا يمكن تجاهلها.
يشكل الصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه وغير المنظم 20٪ من المنتجات السمكية البحرية الرائجة في السوق العالمي ، مما يكلف الاقتصاد العالمي ما بين 15 مليار دولار أمريكي و 36 مليار دولار أمريكي سنويًا.
وفق منظمة العمل الدولية فإن حوالي 128000 صياد يعملون قسراً على متن سفن نائية في جميع أنحاء العالم.
في المغرب و في ظل شح المعلومة ، و كثرة المتدخلين، و التعتيم و غياب الشفافية ، و الفساد الإداري ، لا يمكن حصر كمية الهدر السمكي من الثروة الوطنية ، التي يتم تصريفها في السوق السوداء ، على اعتبار أن المغرب جزء من العالم ، و لاعب مهم في سوق الإنتاج السمكي الدولي.
و هذا لا يتني الإقرار بالمجهود الجبار الذي يقوم به القطاع الوصي و السلطات الأمنية ذات الاختصاص بالمراقبة تقوم لمواجهة الظاهرة ، و الحد من تداعياتها، و منها مراقبة نشاط السفن عبر الأقمار الاصطناعية و تتبع مسارات التسويق و الرقمنة .
و هي مجهودات في جميع الأحوال تبقى جد محتشمة ، اذا علمنا أن المغرب يعد أحد ابرز اللاعبين العالميين في مكافحة الجرائم العابرة للحدود، حيث تبقى الوزارة الوصية هي “الحيط القصير” الذي تعلق عليه شماعة الهدر السمكي ، و في مواجهة التداعيات ، فيما هناك أطراف كثر على طول سلسلة القيمة من البحار الى المستهلك مرورا عبر جميع العاملين والفاعلين وأجهزة المراقبة المدنية و العسكرية.
و لأن السياسة التواصلية لقطاع الصيد البحري تحتاج الى كثير من الجهد و تعبئة كل الإمكانات من أجل التحسيس بالمزايا التي يمكن ان تنشأ عن انخراط الجميع في ورش المحافظة على الثروة السمكية و تثمينها كرأسمال طبيعي، و على رأسها “التنافسية ” في السوق الدولي.
حيث أن تسليط الضوء على المخاطر و المزايا في مكافحة الصيد غير القانوني كفيل بأن يضع الجميع امام مسؤولياته ، و أمام ادواره و صلاحياته و يحفز قراراته ، و اختياراته و توجيهها للانخراط الفعلي و الميداني في مواجهة الظاهرة.
فالمستهلك عبر العالم اصبح هو المتحكم في السوق ، و الشركات الكبرى التي تعي قوة ” ثقة الزبناء ” في منتجاتها تستثمر في تجويد خدماتها و الرفع من قدرتها التنافسية من أجل البقاء و مواجهة التقلبات .
الوعي المتنامي لدى المستهلك اصبح عاملا قويا في ترويض الأنشطة غير القانونية في مجال الصيد البحري، حيث أصبحت الأسواق تفرض معايير صارمة لمعرفة مصدر المصيد و مسار معالجتها ، قبل الوصول إلى منتهاها بسوق العرض و على مائدة المستهلك.
بالنسبة للمنتجين، فإن تحسين إمكانية التتبع يوفر مجموعة من الفوائد تتجاوز الكفاءة التشغيلية ، لتصل الى توليد الإيرادات من خلال علاوات الأسعار، وتعزز صورة المقاولة و علامتها التجارية في السوق، وتشمل هذه المداخل بيانات تجارية أكثر دقة ، وتحليلات متقدمة، وتحسين تجربة الطواقم البحرية ، وكل ذلك يساهم في نموذج أعمال أكثر استدامة وربحية.
إن رد الاعتبار لقطاع الصيد البحري بتمكينه القرار السياسي هو مسؤولية جسيمة لصانع القرار، لمواجهة التحديات الكبرى و على رأسها المحافظة على ما تبقى من الثروة السمكية المستهدفة ، و المحافظة على استقرار و استدامة أنشطة الصيد البحري و على فرص الشغل لثلاثة ملايين مواطن مغربي، بعد فترة من “الإدارة المرتعشة” و التي ميزت الحقبة الماضية بسبب افتقاد القطاع لصانع القرار السياسي ، حيث طبعت القرارات بالتناقض و الهشاشة و الازدواجية في أحيان كثيرة، ما خلف تشويشا على مناخ الثقة بين الإدارة و الفاعلين ، و سهلت من تفشي الفساد الاداري و تفشي الصيد القانوني مغلفا بالخصوصية السياسية او الاجتماعية بعدد من المناطق من المتوسطي الى شمال الأطلسي الى الجنوب حيث أكبر مخزون سمكي بالمملكة.
و هذا طبعا دون المرور فوق أهم “مفرملات” تقدم ورش مكافحة الصيد غير القانوني و على ٍرأسها ما يسمى ب”الفقيرة” ، او الثقب الأسود لجهود منظومة المراقبة و ضبط الهدر السمكي. حيث سيكون من المفروض على كتابة الدولة في حلتها الجديدة تقديم وصفة متكاملة ، و خطة واضحة لمواجهة الصيد غير القانوني بنفس المسافة مع جميع الأطراف، و باشراك جميع الفاعلين و المتدخلين.
و الى ذلكم الحين نتمنى لقطاع الصيد البحري الاستدامة.
كتبها للمغرب الأزرق الاستاذ حاميد حليم
مستشارفي الإعلام البحري و التواصل.
عضو المرصد الاعلامي للصيد المستدام بأفريقيا.