يشهد موسم صيد الاخطبوط الجاري سيرا عاديا بفضل المؤشرات الإيجابية خصوصا الاثمنة التي تجاوزت 100 درهم و تشهد استقرار سعر هذا الصنف بعدما كان محدودا في 70 درهما على اعلى تقدير و في الأدنى 30 درهما، رغم الظرفية البيئية الحرجة.
فبعد توقف نشاط صيد الاخطبوط لأشهر، عادت الحياة إلى موانئ الصيد المغربية مع استئناف نشاط صيد الأخطبوط، الذي يُعد محركًا اقتصاديًا رئيسيًا ورافدًا حيويًا لمئات الآلاف من الأسر في المناطق الساحلية.
استئناف لا يُبشر فقط بعودة النشاط التجاري، بل يحمل في طياته آمالًا كبيرة لتحقيق إيرادات كبيرة مع الحفاظ على التوازن البيئي لمصيدة حيوية.
الأرقام تتكلم: موسم واعد بقيمة تسويقية كبرى
تُشير البيانات الأولية الصادرة عن المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري (INRH) و كتابة الدولة المكلفة بالصيد البحري لدى وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات إلى مؤشرات إيجابية لهذا الموسم. فبعد التقلبات التي شهدتها مصايد الأخطبوط في السنوات الأخيرة، يبدو أن فترة الراحة البيولوجية قد ساهمت في تعافي المخزون.
تُعد القيمة المالية للأخطبوط المغربي هائلة، حيث يُساهم القطاع بشكل كبير في عائدات التصدير بالعملة الصعبة. حيث يمكن يمكن أن تتجاوز القيمة التسويقية الإجمالية للأخطبوط المصطاد والمُسوق مليارات الدراهم المغربية في المواسم الجيدة، حيث تجاوزت قيمة صادرات الأخطبوط 2.5 مليار درهم مغربي سنوياً ، وهي أرقام تُظهر حجم المساهمة الاقتصادية لهذا النوع البحري. ما يجعله من أهم المنتجات البحرية في سلة الصادرات.
الأيام الأولى من الموسم الحالي في موانئ كبرى مثل الداخلة والعيون شهدت كميات صيد مُرضية ، مما يُعزز التفاؤل بموسك جيد ينعكس مباشرة على سلسلة القيمة بأكملها.
توجسات الصيادين: شهران فقط من الصيد.. هل تكفي؟
رغم الانطلاقة الإيجابية للموسم، تسيطر حالة من التوجس على أوساط الصيادين والمهنيين بخصوص قصر فترة الصيد المحددة بشهرين فقط، حيث اعرب العديد منهم عن قلقهم من أن هذه المدة الزمنية قد لا تكون كافية لتعويض خسائر فترة التوقف البيولوجي، أو لتحقيق المردود الاقتصادي الكافي الذي يضمن استدامة معيشتهم، و بسبب تراجع المصطات مقابل تزايد تكاليف الإنتاج و الدين.
حيث يعول الصيادون بشكل كبير على موسم صيد الاخطبوط لخلق موازنة تغطي المواسم العجاف بسبب تدبدب نشاط الصيد طيلة السنة ، خصوصا مع طول فترات سوء الأحوال الجوية، و ارتفاع التكاليف ، و بالتالي فتقلص فترة الصيد تُقلص الفرص المتاحة لهم لتحقيق مداخيل لتغطية تكاليف الإنتاج و العيش، و هو ما يولد لدى المهنيين قلقلا يتزايد في ظل ارتفاع تكاليف الوقود ومعدات الصيد.
و ضع يُولد ضغوطًا اجتماعية ونفسية على الصيادين وعائلاتهم ، قد يدفع هذا البعض إلى البحث عن مصادر دخل بديلة، ما يفسر تراجع اعداد الصيادين النشطين.
و على الرغم من إيجابية الأرقام الأولية، يرى بعض الصيادين أن تحديد فترة قصيرة جدًا قد لا يأخذ بعين الاعتبار التقلبات المناخية التي قد تؤثر نشاط الصيد و استهلاك المصدة المحددة دون تعويض ، على وفرة الأخطبوط خلال هذه المدة القصيرة ، مما يُعرضهم لخسائر محتملة إذا لم يكن الصيد وفيرًا.
موسم الاخطبوط شريان الحياة لمجتمعات الصيد
يُشكل صيد الأخطبوط ركيزة اقتصادية واجتماعية لا غنى عنها للمغرب. فهو يُساهم بشكل مباشر في توفير أكثر من 200,000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، تشمل الصيادين، وعمال الموانئ، ومصانع التجهيز والتجميد، وسلسلة التوزيع والتسويق. تعتمد شعرات القرى و قرى الصيد والمدن الساحلية بشكل كبير على مداخيل هذا النشاط لضمان استقرارها الاقتصادي والاجتماعي.
- اقتصاديًا: يُعد الأخطبوط من الصادرات البحرية الرئيسية للمغرب، ويسهم بشكل فعال في جلب العملة الصعبة وتعزيز الميزان التجاري للبلاد. القيمة المضافة التي يُحققها هذا القطاع تنعكس على العديد من الصناعات المرتبطة به، كصناعة التعبئة والتغليف، والنقل، وخدمات الموانئ.
- اجتماعيًا: تُخفف عودة نشاط الصيد من الضغوط المالية على الصيادين وعائلاتهم، الذين يعيشون على هامش الدخل خلال فترات التوقف البيولوجي. هذا الاستئناف يُعيد الأمل ويُسهم في تحقيق الاستقرار الاجتماعي في مجتمعات الصيد التي تعتمد بشكل كبير على البحر.
جهود الوزارة المكلفة: رهان الاستدامة في مواجهة التحديات
تواجه مصيدة الأخطبوط المغربية تحديات متعددة، أبرزها التغيرات المناخية التي تؤثر على دورة حياة الأخطبوط ومخزونه، والصيد غير القانوني وغير المنظم وغير المصرح به (INN) الذي يستنزف الموارد، وتقلبات الأسعار العالمية.
و في هذا الاطار تُكثف وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات جهودها لضمان استدامة هذه المصيدة الحيوية، من خلال:
- تطبيق صارم لمخططات تهيئة المصايد: التي تُحدد بدقة فترات الراحة البيولوجية، وتُعين حصص الصيد لكل صنف ومنطقة ، وتُضبط أساليب الصيد المسموح بها لضمان تجديد المخزون. استنادا الى المشورة العلمية للمعهد الوطني للبحث في الصيد البحري .
- تعزيز المراقبة والتتبع أنشطة الصيد لمكافحة الصيد غير المشروع، وذلك بالتعاون الوثيق مع القوات المسلحة الملكية والبحرية الملكية والدرك الملكي.
- دعم البحث العلمي عبر INRH لتوفير بيانات دقيقة حول حالة المخزون، وتطوير نماذج تنبؤية للتحكم في المصايد بفعالية أكبر، وضمان اتخاذ قرارات مبنية على أسس علمية.
- برامج تأهيل وتكوين الصيادين: حيث تقوم مديرية التكوين و الإنقاذ و رجال البحر بإطلاق حملات تحسيسية و توعوية موازاة مع انطلاق حملات الصيد البحري لتأطير الصيادين و لتبني أفضل الممارسات في الصيد المسؤول، وتعزيز وعيهم بأهمية الحفاظ على الموارد البحرية للأجيال القادمة.
- تطوير البنية التحتية للموانئ: لتلبية احتياجات القطاع وتحسين ظروف التفريغ والتسويق.
استئناف صيد الأخطبوط بعد اكثر من عقدين من اعتماد مخطط تهيئة مصيدة الاخطبوط لا يُشكل مجرد عودة لنشاط اقتصادي، بل هو تجسيد لالتزام المغرب بتحقيق التوازن بين الاستفادة من موارده البحرية وضمان استدامتها، حيث يبقى التحدي الأكبر هو إيجاد التوازن الدقيق بين تلبية المطالب الاقتصادية والاجتماعية للصيادين وبين تطبيق الإجراءات العلمية الصارمة للحفاظ على ثروة الأخطبوط للأجيال القادمة.