في أحدث أفلامه الوثائقية “المحيط”، يطرح صانع الأفلام البريطاني الشهير ديفيد أتينبورو، رسالة تحذيرية مفادها أن “أهم مكان على كوكب الأرض ليس على اليابسة، بل في البحر”، مشيراً إلى أن المحيطات أصبحت في حالة طوارئ بيئية. يتناول الفيلم ممارسات بشرية متطرفة، مثل الصيد الجائر وتدمير النظم البيئية، استناداً إلى بيانات علمية وملاحظات ميدانية موثقة. هذه الرسالة اكتسبت صدى سياسياً واسعاً خلال القمة العالمية للمحيطات التي عُقدت في نيس، بفرنسا، في يونيو 2025، بمشاركة أكثر من 60 قائد دولة ونحو 190 وزيراً.
ركزت القمة على ضرورة تطوير آليات فعالة لحوكمة البحار ووقف التدهور البيئي، لكن بالرغم من الأجواء الإيجابية، برزت انتقادات تشير إلى وجود فجوة بين الخطاب السياسي والالتزامات الفعلية، خاصةً في ظل غياب أدوات تنفيذ ومساءلة واضحة، ما يثير التساؤل عن جدوى هذه القمم دون آليات حقيقية لتقييد ممارسات الشركات الكبرى العابرة للحدود.
إفريقيا.. ثروة بحرية مهددة
يواجه الاقتصاد الأزرق في إفريقيا تحديات كبيرة، رغم تبني القارة استراتيجيات طموحة مثل أجندة إفريقيا 2063 والاستراتيجية البحرية المتكاملة لإفريقيا 2050. فالمؤشرات البيئية تدق ناقوس الخطر، حيث تدهورت 22% من الأراضي الرطبة منذ عام 1970، وانهارت 57% من مخزونات الأسماك في السنغال بسبب الصيد غير المشروع من سفن أجنبية، ما دفع المئات من الصيادين المحليين إلى الهجرة غير النظامية. كما أثرت التغيرات المناخية، مثل ارتفاع منسوب سطح البحر والأعاصير، على المجتمعات الساحلية، ما أدى إلى خسائر في الحشائش البحرية ومصادر العيش الأساسية.
هشاشة اجتماعية واقتصادية
يُشكّل الصيد غير القانوني الذي تُديره سفن أجنبية ضغطًا مباشرًا على 3% من القوى العاملة الوطنية في السنغال، ما يدفع المئات منهم إلى الهجرة غير النظامية. كما أن التغيرات المناخية التي تؤدي إلى تدمير مساحات واسعة من الحشائش البحرية في شرق إفريقيا، تؤثر بشكل مباشر على المجتمعات التي تعتمد على الصيد كمصدر رزق رئيسي.
الإقصاء المعرفي والاقتصادي
تُظهر دراسات أن أغلب مبادرات حماية المحيطات في إفريقيا تُصاغ بتمويل وتوجيه دولي، وغالباً ما تتجاهل السياقات المحلية والمجتمعات الساحلية التي تمتلك علاقة ثقافية عميقة بالبحر. وهذا الإقصاء يؤدي إلى انهيار الثقة في المؤسسات البيئية، ويزيد من الممارسات غير الرسمية، ويقوّض الأهداف البيئية المعلنة. كما أن شركات الصيد الأجنبية الكبرى تهيمن على البيانات البيئية وتستخدم تقنيات التخفي الرقمي، ما يصعّب على الحكومات الإفريقية رصدها ومحاسبتها، وهو ما يطلق عليه بعض المحللين “الإقطاعية التقنية”.
فرص واعدة للسيادة الاقتصادية
رغم التحديات، يمتلك الاقتصاد الأزرق في إفريقيا إمكانات هائلة. فمع 37 دولة ساحلية، يمكن للقارة أن ترفع ناتج اقتصادها البحري إلى 405 مليارات دولار بحلول عام 2030، وتخلق ملايين الوظائف. لكن تحقيق هذا الهدف يتطلب بناء القدرات الوطنية، وتوجيه السياسات نحو تنمية محلية، وكسر هيمنة الشركات الأجنبية. كما أن التكامل بين الاقتصاد الأزرق والاقتصاد الأخضر، خاصةً مع امتلاك إفريقيا 30% من احتياطي المعادن الحرجة، يمكن أن يضاعف العوائد ويُعزز من سيادة القارة على مواردها.