تُقدم المدن الساحلية الفرنسية صورة متناقضة لواقع صيد السردين، حيث تواجه بعض الموانئ تحديات كبرى تهدد استمرارية هذا النشاط، بينما تُثبت موانئ أخرى صمودها وتُعزز مكانتها كقلاع لصيد السردين. هذا التباين يعكس المشهد المعقد الذي يواجه قطاعاً حيوياً يتأرجح بين الأثر البيئي للاحتباس الحراري والضغط الاقتصادي لارتفاع التكاليف.
في مدينة مارسيليا، تُعاني أسواق السمك من تراجع ملحوظ في كميات السردين، مما أدى إلى ارتفاع أسعاره بشكل كبير. ويعود هذا التراجع إلى عاملين رئيسيين: الأول هو التغيرات المناخية التي تسببت في ارتفاع درجة حرارة مياه البحر المتوسط، مما أثر على مصادر غذاء السردين ودفعها للبحث عن مناطق أكثر برودة. أما العامل الثاني فهو الضغط الاقتصادي المتمثل في الارتفاع الحاد لتكاليف الوقود ومعدات الصيد، مما يُثقل كاهل الصيادين وينعكس مباشرةً على أسعار البيع النهائية. هذه العوامل المشتركة أحدثت ارتباكاً في سلسلة التوريد وأثرت على المستهلكين الذين يعتبرون السردين جزءاً أساسياً من غذائهم اليومي.
وعلى النقيض من ذلك، يواصل ميناء دوارنيني في منطقة بريتاني تأكيد مكانته كأهم ميناء فرنسي لصيد السردين. وبفضل الكميات الوفيرة التي تم اصطيادها خلال موسم الصيف، لا يزال الميناء يحافظ على إرثه التاريخي كـ”عاصمة السردين الأوروبية” في القرن التاسع عشر. ويُعد هذا الأداء الجيد دليلاً على صمود القطاع في المدينة بفضل أسطولها المتخصص والتقاليد العريقة التي يواصل الصيادون العمل بها. ويعكس هذا النجاح أهمية السردين ليس فقط كمنتج اقتصادي، بل كجزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية للمدينة.