سنة 1985، دشن المغفور له الحسن الثاني ميناء طانطان و المركب الصناعي لمجموعة أومنيوم المغربي للصيد، لتكون رأس حربة في معركة ديبلوماسية بين المغرب و اسبانيا، و تلعب دورا جد مهم في تاريخ المغرب البحري.

اختيار طانطان كمنصة لإحداث مركب صناعي يضم ورشا بحريا جافا لصناعة و صيانة و ترميم السفن العملاقة لم يكن اعتباطيا ، بل كان نقطة ارتكاز لتجفيف منابع الورش الجاف بجزيرة النخيل لاس بالماس، بكناريا التابعة للتاج الاسباني ، حيث كانت الأوراش البحرية هناك تستقبل أسطول الصيد بأعالي البحار المغربي المقدر باكثر من 300 سفينة ، حيث الأداء بالعملة الصعبة .
و من بفضل من الله و توجيه من المغفور له الحسن الثاني و بانخراط موسوم بالمسؤولية شيدت مجموعة أومنيوم المغربي للصيد مركبها الصناعي في الصيد البحري و الصناعات السمكية، بمجهود خاص و ذاتي ، ستهم في خلق ذينامية سوسيو اقتصادية، ولدت آلاف المناصب المباشرة و غير المباشرة، ووفرت ملايين الدولارات من العملة الصعبة، و العكس بالعكس يذكر بالنسبة ل “لاس بالماس” حيث كانت أول ضربة قوية من الجانب المغربي،في الفترة التي احتدمت فيها المواجهات بين المغرب وجبهة البوليساريو بالوكالة عن الجزائرو اسبانيا .
هو جزء من تاريخ المقاومة المستدامة بالمغرب الذي كتبه “السيد محمد العراقي” بمدام من فخر، يحتاج الى وقفة تأمل ، وإعادة قراءة في بعض الأحداث التي كانت و لا تزال تستهدف الإضرار بمجموعة أومنيوم المغربي للصيد و النيل من سمعتها، و التشويش على ما قدمته المجموعة للوطن و للجهة و إقليم طانطان و لا تزال.

و هذا تقديم فقط لحدث صغير من جملة أحداث يؤرخها المغرب الأزرق ، و يسلط الضوء عليها ليشكل منها مادة للتأريخ و للعبرة، أن هناك شركات مواطنة هي جزء من القوى الحية للمجتمع التي تدود عن وحدته الترابية و تسهم في الاستقرار و التنمية بالصحراء المغربية، رغم التضييق و التشويش و الحروب الاقتصادية.
في الحرب الدائرة رحاها بأوكرانيا و الممتدة عبر العالم، تشهد المنطقة صراعا خفيا بين القوى الإقليمية وفق نقلات القوى الدولية، حيث تدفع مجددا إسبانيا فاتورة القرار الأوربي بعد فرضه عقوبات على روسيا، لفائدة المغرب في ترميم السفن.
روسيا و إن كان المغرب قد صوت ضد الاستفتاء التي أجري بالأقاليم الأربعة التي ضمتها خلال عمليتها العسكرية، أو امتناعها عن التصويت لقرار تمديد مهمة المينورسو بالصحراء المغربية ، فهذا لم يقلل من الاحترام أو تقدير موقف الجانبين في سياق خاص مطبوع بعدم الاستقرار و ضبابة المشهد، بل حافظت روسيا على طبيعة العلاقات و استثمرت بذكاء اتفاقية التعاون في الصيد البحري مع المغرب، لضرب الاتحاد الأوربي و معه إسبانيا في منطقة تضايق مصالح المغرب و امتداده الجغرافي الطبيعي القاري.
التوجه البحري للمغرب بإحداث أقطاب مينائية كبرى بالمتوسطي يندرج في الاستراتيجية الوطنية لتشديد الخناق على الجار الودود و العدو اللدود اسبانيا، على الجبهتين الشرقية و الغربية، و تحولان سبتة و مليلية المحتلتين الى عالة على الدولة الإسبانية أكثر منها شوكة في خاصرة المغرب.
و ليس بذات القدر على الواجهة الأطلسية لكن، حثما سيكون لميناء الداخلة الأطلسي الأثر الكبير على التداول و الأروجة بجزر الكناري، التي تعاني من معضلة جسيمة تتمثل في انحسار الوعاء العقاري بسبب الجغرافيا و التوسع الحضاري، الذي سيفرض على حكومة كناريا الخيار الصعب بهدر الاستثمارات في الصناعات لفائدة جنوب المغرب حيث امتياز البنية التحتية واللوجيستيك و الوعاء العقاري.
الاستراتيجية الوطنية لبسط السيادة على المجال البري و البحري و الجوي، ليس بالأمر اليسير كونها مستدامة و تسير بسرعتين و على أكثر من واجهة، سياسية و اقتصادية و قانونية، و بينها تدور حروب طاحنة تسخر فيها جميع الوسائل القذرة من طرف أعداء المغرب إما عبر الدعاية الإعلامية او اختراقات المجتمع المدني بتمويلات سخية أو تجنيد عملاء لأداء مهام قذرة، و هو ما شهدناه خلال العشرية الماضية بشكل جلي من خلال أنشطة لجمعيات حماية الثروة السمكية أو الطبيعية محلية، و صناعة رموز كأمنتو حيدر، و سلطانة و غيرهم…
في ذات الأثناء لم تعق المناوشات المعادية سير المغرب في تشييد الأقطاب المينائية الكبرى ، و ترسيم الحدود البحرية و تمديدها ، و كما قريب بسط السيادة الجوية على كامل الصحراء و امتدادها في البحر، بعدما كانت مقسمة بين المغرب و إسبانيا و موريتانيا، لإغلاق الطريق بشكل نهائي عن اي ابتزاز او تحرش امني ، أو تواجد لمافيا التهريب الدولي للمخدرات و المتاجرة في البشر، و تمويل الجماعات المسلحة الإرهابية في دول الساحل.
فالتوجه العام للدولة المغربية هو تحويل إقليم الصحراء المغربية الى منصة للإقتصاد الأزرق ،حيث الأفاق واعدة و الأرضية مهيأة لتثبيت السياحة، و الطاقات المتجددة، و لصيد البحري و تربية الأحياء المائية و التعدين، و هذا طبعا ليس بالأمر الهين في ظل وجود مقاومة محلية متجذرة مطبوعة بثقافة الابتزاز السياسي و الريع ، و أخرى خارجية ترى في هذا المشروع تهديدا وجوديا لمصالحها و لا تخرج عنه الجارة موريتانيا، و بدليل نقلتها على رقعة المنطقة باستعمال اتفاقية التعاون مع الجزائر في الصيد البحري.
هو الجهاد الأكبر الذي تحدث عنه محمد الخامس و مسيرة الوحدة التي أطلقها الحسن الثاني و مشروع البناء و النماء الذي يقوده محمد السادس من أجل مغرب كبير بحجم تاريخه و أمجاده و تضحيات أبناءه.
كتبها للمغرب الأزرق حاميد حليم
مستشار في الإعلام البحري و التواصل.























































































