تونس – مع اقتراب موسم صيد التونة الحمراء، يتصاعد الاحتقان في القطاع، كاشفاً عن صراع محتدم بين صغار البحار ومنظومة احتكارية تهيمن على هذه الثروة البحرية. ففي تصريح يعكس حجم الأزمة، يقول البحار عبد القادر النقبي: “في يوم ما قد نُسجن بسبب تراكم الديون نتيجة تجهيز مراكبنا تحضيراً لموسم صيد التُنّ الأحمر”، منتقداً ما أسماه “السرطان الذي ينخر القطاع بسبب المنظومة الفاسدة”.
تستفيد تونس من حصة سنوية من منظمة “الايكات” من التونة الحمراء تقدر حالياً بـ 3000 طن، ما يجعل هذا قطاع مصدر ثروة ضخمة تُقدر قيمة صادراتها لعام 2023 بـ 167.5 مليون دينار. ورغم هذا، يشتكي صغار البحارة من حرمانهم من حقوقهم في الحصول على حصص الصيد، بينما تستحوذ عليها عائلات نافذة بعينها منذ عقود. وقد أقرّ الوزير السابق للفلاحة محمود الياس حمزة عام 2022 بوجود “نقائص وإشكالات تعاني منها خطّة التصرّف في منظومة التنّ الأحمر”، مؤكداً الحاجة إلى إصلاحات.
وفي إطار التحديات التي تواجه القطاع، وصف الخبير في الصيد البحري نوفل حداد، في لقاء تلفزيوني بتاريخ 2 مايو 2024، قرارات سلطة الإشراف بـ”المسقطة” و”التعسفية”، معتبراً أنها تسببت في أضرار كبيرة للبحارة. هذا الغموض وغياب الشفافية في إدارة الملف أكدته أيضاً منظمة “آلرت” لمقاومة اقتصاد الريع، حيث يؤكد حسام سعد، عضو المنظمة، أن القطاع هو “قطاع ريعي بامتياز” ومصدر للتهرب الضريبي وتهريب الأموال، وأن “أغلب الأشخاص الذين يسيطرون على قطاع التنّ الأحمر يسيطرون على قطاعات مهمّة أخرى في الاقتصاد الريعي في تونس”.
وتكشف البيانات الأرشيفية أن أقل من 10 عائلات تهيمن على القطاع منذ أكثر من 30 سنة، مستفيدة من رخص وحصص الصيد. كما أن ظاهرة احتكار الأملاك المصادرة بعد ثورة 2011، مثل شركة “ماد باش” ومركب “جنات1″، لصالح شخصيات نافذة، زادت الوضع سوءاً، مما عمّق الهوة بين صغار البحارة ومن يسمون “بارونات القطاع”.
وفي محاولة للتصدي لهذه الممارسات، أقر البرلمان التونسي في قانون المالية 2024 ضريبة جديدة بهدف تخصيص 40% من أرباح سفن صيد التونة لصالح صغار البحارة. وأيد النائب بلال المشري هذا القرار مؤكداً أن “هذه العائلات لها نفوذ وعلاقات في الدولة لذلك تتحصّل على أكثر من حصّة صيد وتقوم أيضا باستئجار رخص بطريقة غير قانونية”.
من جهته، أكد المكلّف بمهمّة بديوان وزارة الفلاحة ياسين اسكندراني أن الوزارة بصدد انتهاج سياسة جديدة لوقف هذه الممارسات. وأشار إلى رصد مراكب لا تخرج للصيد وتستخدم رخصها لأغراض تجارية، مضيفاً أن “116 ملفا قد تم رفضه بسبب غياب الوثيقة المتعلقة باستيفاء شروط التسوية مع الضمان الاجتماعي بالنسبة الى البحارة العاملين”.
تداعيات بيئية واقتصادية
إلى جانب المشاكل الإدارية والاقتصادية، يواجه القطاع انتقادات بيئية، حيث يحذر الخبير المستقل حمدي حشاد من أن “ضيعات التسمين تؤثر على الثروات البحرية ولها تداعيات إيكولوجية على المنطقة الجغرافية”. ويستنكر النائب بلال المشري عدم وجود رقابة كافية على هذه الضيعات التي تسبب “كارثة بيئية” في السواحل.
يُظهر تحقيق قام به نشطاء و حقوقيون بتونس أن قطاع التونة الحمراء في تونس يعاني من صراع معقد يتداخل فيه الجانب الاقتصادي بالفساد الإداري والضرر البيئي. ورغم المحاولات التشريعية الأخيرة، لا يزال صغار البحارة يواجهون منظومة احتكارية راسخة، مما يستدعي إصلاحات هيكلية شاملة لضمان شفافية أكبر وعدالة اجتماعية واستدامة لهذه الثروة الوطنية.





















































































