في قطاع الصيد البحري و الأنشطة المينائية قليلا ما تتأطر الشغيلة تحت منظمة نقابية عريضة ، فيما شريحة كبيرة تتوزع بين الجمعيات و التنسيقيات و في الحد الأدنى إطارات نقابية صغيرة و هشة تزيد من تقسيم المقسم و تجزيئ المجزئ الى كيانات فتات.
ما ينطلي على الشغيلة هو الشعارات المسمومة التي تعمم فساد العمل السياسي على العمل النقابي ، و الواقع أن الأمر فيه قصد كبير و غليظ يمنع من التكتل في تنظيم تقويه القوى العمالية و تعضده.
و بالرجوع الى قاعدة فاقد الشيء لا يعطيه، سنجد أن الكثير من التنظيمات المدنية و النقابية بالموانئ لا تقدم شيء لمنسبيها الا اللمم، و لن تستطع أن تتقدم في نهجها و مساعيها، و بالتالي فلا جرم ان يحدث النزيف ليس بسبب الفساد، و إنما لقلة الحيلة و التأطير و التأهيل مستوى القيادة. فلا الجمعيات وجدت للدفاع عن مصالح الشغيلة، و لا التنسيقيات قادرة على السيطرة على نفسها و من فيها، فكيف للسفينة أن تسري بدون طاقم و ربان.
الوضع جد مناسب للباطرونا كهذا، عندما نجد مثلا في وحدة انتاجية تمثيلية نقابية جد ضعيفة ينتسب إليها قلة قليلة لإحداث “المندوب العمالي” في اطار اللعبة الديمقراطية ، فيما شريحة كبيرة يتم دفعها الى الهامش لتشكل جمعية او تنسيقية يسهل اختراقها و تفتيتها و نسف اي مناورة احتجاجية لها، و في الحد الأدنى يمون الحوار الاجتماعي عبر المندوب العمالي الممثل الشرعي و القانوني للشغيلة، و الذي غالبا ما تنهي جولاته لمصلحة الوحدة الإنتاجية.
في قطاع الصيد البحري و الأنشطة المينائية، بدأ الحس بضرورة الانتساب و التخندق داخل إطار نقابي قوي و متين و ذي خبرة يتشكل و ينمو، خصوصا بعد فشل جميع التجارب السابقة التي جرت على الطبقة الشغيلة بهذا القطاع الحيوي و تسببت في فقدان العمل و تشريد الأسر وكانت سببا لقطع الأرزاق عوض أن تكون صمام أمان للسلم الاجتماعي.
على مدة حوالي الثلاث عقود خلت شهدنا تفكك شركات و تشريد عمالها، و شهدنا تسريح بالجملة للعمال و ضياع حقوقهم رغم صدور أحكام نهائية فيما لا يزال رجال البحر يشتغلون بنظام الحصص دون استقرار عززت من هشاشة الوضع جائحة كورونا و استمرار الطالب على اليد العاملة من لدن مراكب الصيد الساحلي تفريخ أفواج من رجال البحر عبر منظومة التكوين البحري .
و الشاهد أن الأخطاء الجسيمة و الجرائم في حق الطبقة الشغيلة سببها زواج السياسة بالنقابة ، إذ عمدت عبر التاريخ السياسي للمغرب عدد من الأحزاب السياسية إحداث فصائل نقابية يتم توظيفها كأداة ضغط و ابتزاز للحكومة.
غير أن اللعبة الديمقراطية لها تكتيكات حيث يتم الزج بهذه الأحزاب في الحكومة لتجد نفسها مجبرة على عن الطبقة الشغيلة تفاديا لأي اتهامات من جانب المعارضة لها باستغلال السلطة، و بالتالي تجد الشغيلة نفسها وسيلة لعبور –بعض- الساسة الى “بر الأمان”، و هو السبب العميق في انهيار الثقة بين الشغيلة و الأذرع النقابية للأحزاب السياسية، و انسحابها الى التكتل في فتات الجمعيات لمرونة تأسيسها، و تحللا من وسخ “النقابة”، مع استحضار “القائد” و “الرئاسة” كسبب في انشقاق الكيانات التنظيمية.
منذ 60 سنة كان و لا يزال الاتحاد المغربي للشغل، مؤسسة قوية بقدرتها الفريدة على احتضتن الاختلاف ، ما منحه الامتياز ليحافظ على الاستقرار و الاستمرار و ممارسة دوره بفعالية و بأريحية دون ضغط. حيث يسير هذا التنظيم النقابي بخطى حثيثة و مدروسة منذ حوالي الخمس سنوات مكنته من بسط سيطرته على مفاصل الأنشطة المينائية بدء من الصيد البحري و الملاحة التجارية مرورا عبر النقل و اللوجيستيك و التموين، و هو ما يجعله قوة عمالية سيكون لها القول الفصل في تنزيل عدد من المشاريع العالقة التي تهم شغيلة الموانئ في المرحلة المقبلة.
كتبها للمغرب الأزرق حاميد حليم
مستشار في الإعلام البحري و التواصل,























































































