يشكل إعلان وزير الفلاحة و الصيد البحري و التنمية القروية و المياه و الغابات المغربي تنظيم يوم دراسي حول الصيد التقليدي خلال فعاليات معرض اليوتيس الدولي في الصيد البحري التفاتة جد مهمة لهذا النصف.
و لو أن الحدث يأتي متأخرا بعد أسابيع من اختتام فعاليات السنة الدولية للصيد الحرفي و تربية الأحياء المائية صغيرة النطاق2022 التي أعلنتها الجمعة العامة للأمم المتحدة سنة لمجتمعات الصيد الصغيرة النطاق.
قطاع الصيد التقليدي الذي يقدر أسطوله بحوالي17 الف وحدة و شريحة واسعة من الصيادين العاملين عليها بشكل مباشر و غير مباشر تقدر بحوالي 50 الف عامل، لا يزال يعيش الهشاشة و المنافسة غير المتكافئة بين باقي الأصناف(الصيد الساحلي، الصيد الصناعي)،في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج و عدم استقرار حالة المخزون و المصايد ، و تردد سوء الأحوال الجوية لأكثر من نصف السنة، و العمل في ظروف صعبة حيث يتزاحم الصيادون مع معدات الصيد و التجهيزات داخل فضاء ضيق يحد من حركتهم و يعيق سيطرتهم على المعدات و على قارب الصيد و يكون عاملا أساسا في حوادث البحر التي تودي كل سنة بعشرات الصيادين..
وضعية تدعو للقلق ولو أن الحالة عامة على قطاع الصيد البحري بالمغرب، إلا أن خصوصية هذا القطاع و محدودية الإمكانيات و القدرة على المنافسة تجعل منه فيلقا احتياطيا لتموين السوق الداخلي و تسمين الصناديق الاجتماعية و الجماعية.
و هو ما حذا بمنظمة الأمم المتحدة و من خلالها منظمة التغذية و الزراعة الى إعلان سنة2022 كسنة دولية للصيد الحرفي و تربية الأحياء المائية صغيرة النطاق2022،و مفهوم “صغيرة النطاق” هي تلك الأنشطة الصغيرة التي تمارسها مجتمعات الصيد/الساحل لغرض معيشي، كالصيد بالأرجل او جمع الصدفيات و الطحالب و تثمين منتجات الصيد.
و اذا كانت التجربة المغربية من حيث تأطير مجتمعات الصيد التقليدي في تنظيمات مهنية تضامنية جد رائدة مقارنة مع دول الجنوب ، فلا بد من التأكيد على أن الورش يجب أن يضل مفتوحا لمواصلة المسار لترقية فعلية لهذه الشريحة و تمكينها من الوسائل و التسهيلات اللازمة من اجل المحافظة على نشاطها و استقرارها، علما أن الدراسات و التقارير التي أصدرتها منظمة التغذية و الزراعة تشير الى عزوف كبير لفئة الشباب من مجتمعات الصيد البحري الحرفية عن ولوج هذا النوع من الأنشطة و اختيار مجالات أخرى أكثر أريحية و أقل عناء و الهجرة خارج محيطها السوسيو اقتصادي .
و حسب تقرير البنك الدولي الصادر في مارس2021، فإن قطاع الصيد البحري بالمغرب عانى من تداعيات جائحة كورونا حيث تفاقمت مواطن الضعف الاجتماعية و البيئية لقطاع الصيد ، الأمر الذي يتعارض مع التقدم المحرز في تنفيذ استراتيجية اليوتيس، حيث أوصى التقرير بإضفاء الطابع المهني على الصيادين من خلال استخلاص التجارب الناجحة الى حد ما، و لا سيما في مجالات التنظيم التعاوني للصيادين التقليديين، في اطار احترام منطق النمو الشامل و المستدام.
كما أوصى التقرير بتوجيه شريحة الصيادين المعرضين للخطر و المُتعدّدِي الأنشطة نحو مهن تضمن لهم دخلا أكثر استقرارا ، و كذا تسهيل الوصول الى التمويل من أجل التجهيز و تأجير وسائل التخزين ،و هو إجراء يمر عبر تعزيز المنظمات المهنية.
كما أوصت مؤسسة البنك الدولي بالتوجه نحو أعادة انتشار الصيادين في أنشطة أخرى، بهدف تخفيف الجهد عن الصيد و تحسين متوسط دخل فئة الصيادين التقليديين، في اطار استراتيجية طويلة الأمد لإضفاء الطابع المهني على قطاع الصيد البحري و إعادة توجيه الصيادين الشباب نحو مهن تضمن لهم مسيرة مهنية أكثر إثارة للإهتمام.
إن ما عاشه قطاع الصيد التقليدي بعد جائحة كورونا من ارتفاع في تكاليف الإنتاج و خصوصا التهاب سعر الوقود و ازدواجية الضرائب، و التوقفات المترددة نتيجة سوء الأحوال الجوية، و تراجع المخزون السمكي، و تمديد الراحة البيولوجية و إغلاق المصايد الجنوبية حيث حضيرة أكبر أسطول وطني للصيد التقليدي، و مورد رزق أكثر من 12 الف صيد مسجل، و تفشي ظاهرة الهجرة السرية بوساطة قوارب الصيد التقليدي “غير القانونية” أو “المسروقة”، ليدعو الى وقفة تأمل حول واقع قطاع الصيد التقليدي من أجل استشراف مستقبل، و حماية هذا الرصيد و استثماره كرأسمال مادي و لامادي و الدفع به لمواكبة التحول الأزرق و الولوج الى الاقتصاد الأزرق.
و هنا لا بد من الوقوف على شريحة نساء البحر في قطاع الصيد البحري و اللائي ينشطن في التعاونيات النسوية و يشكلن أغلب العاملات فيه بدافع ترقية الوضعية السوسيو اقتصادية الصعبة لرفع القليل من الهشاشة عن أسرهن، ما يدعو الى بلورة خطة وطنية متكاملة تجعل من استقرار مجتمعات الصيد الصغيرة النطاق هدفا محوريا تلتقي حوله باقي الأهداف الفرعية.
و لن يتأتى ذلك الا من خلال ورش التنمية المندمجة مع باقي القطاعات في اطار الحكامة ، و هو ما يعطل كثيرا من الأوراش التنموية ليس فقط في قطاع الصيد البحري بل جميع القطاعات.
كتبها للمغرب الأزرق
حاميد حليم- مستشار في الاعلام البحري و التواصل.