اعتبر العديد من المتتبعين للبيئة البحرية أن ظهور ” الأوركا ” في شرق البحر الأبيض المتوسط بالسواحل القريبة من ” الجبهة ” بإقليم الشاون، ونواحي بادس وكلايريس بإقليم الحسيمة، ليس بالأمر العادي والطبيعي، خاصة إذا علمنا أن هذا النوع من الحيتان الذي اعتاد العيش بكل بحار ومحيطات العالم، بما فيها المحيط الأطلسي والبحر المتوسط المحاذي للأطلسي، لم يسبق وأن رصد خارج المناطق البحرية القريبة من سواحل القصر الصغير، إلا خلال الأيام القليلة الماضية عندما نشر صيادون كانوا على متن قواربهم صورا لحوت” الأوركا ” وهو يسبح داخل شباكهم، بالمصيدة القريبة من ” الجبهة “، كما أن صيادين آخرين كانوا قد أكدوا مشاهدتهم له بالسواحل القريبة من “بادس” التابعة للدائرة البحرية للحسيمة.
ويعيش الحوت القاتل ( الأوركا ) في جميع بحار ومحيطات العالم. وعادة ما يفضل الأعماق التي تصل إلى 300 م. و تتواجد بالمناطق القطبية الشمالية و الجنوبية، كما تفضل المياه الساحلية الباردة المعتدلة، مثل مياه اليابان و ألاسكا، و هذا ما يفسر سبب ندرتها في مياه البحر الأبيض المتوسط.
وكان تواجد ” الأوركا ” محصورا بالسواحل القريبة من ” القصر الصغير “، حيث يدخل البحر الأبيض المتوسط قادما إليه من المحيط الأطلسي عبر مضيق جبل طارق ، مستغلا وفرة الغذاء الذي توفره صغار الأسماك المهاجرة ك” التونة ” و” أبو سيف “، غير أن امتداد مجال تحرك هذا الحوت ليتوسع شرقا باتجاه السواحل القريبة من الحسيمة، يعد سابقة قد تفسر مدى التغيرات التي طرأت على وسط عيش ” الأوركا ” ويدفعنا بالمقابل لطرح جملة من التساؤلات المتعلقة بالخلفيات الطبيعية لهذا التحول في مجال عيشه، وعما إذا كان هذا التغير له علاقة بالتغيرات المناخية وارتفاع درجة حرارة مياه البحار والمحيطات، وكذلك إذا كان ” الأوركا ” الذي تم رصده وتوثيقه من طرف الصيادين، معزولا عن باقي القطيع، أم أنه كان يتحرك مع باقي صنفه، خاصة وأن هذا النوع من الحيتان يعيش في مجموعات، كما أنه يصطاد بشكل جماعي، ويتقاسم الفريسة بعد تمزيقها بمقدمة أنفه الصلبة وأسنانه الحادة.
وتبقى المعطيات العلمية المتوفرة حول توسع الوسط البحري لعيش ” الأوركا ” لشرق البحر الأبيض المتوسط شحيحة، خاصة أن المتوفر منها يشير إلى المرجعية الغائية لهذا الحيوان البحري، والتي يحكمها البحث عن الغذاء، الذي ساعد وفرته في التزايد الديمغرافي لهذا الحوت ما دفع ببعض مجموعاته للتحرك شرقا والتكيف للعيش في أوساط بحرية أنتجها احترار مياه البحر الذي سببته التغيرات المناخية.
وكانت ورقة بحثية لفريق من علماء البحار والمحيطات أشارت لكون “الاستجابات البيولوجية للاحتباس الحراري واضحة بالفعل عبر الكائنات الأرضية والمياه العذبة والبحرية. ومع تغير البيئات، يجب على الأنواع إما التكيف أو التسامح أو الانتقال أو مواجهة الانقراض “.
تحرك الاوركا باتجاه شرق المتوسطي، مرتبطا ببحثه عن الغذاء
وفي الحديث عن توسع ” الأوركا ” شرق المتوسط، مبتعدا عن مناطقه المعتادة في البحر الأبيض المتوسط المحاذي للأطلسي، أكد محمد الأندلسي رئيس جمعية AZIR لحماية البيئة أن ” جميع الدراسات المتوفرة أجمعت على تفاعل ” الأوركا ” مع البواخر والزوارق الشراعية وقوارب الصيد التقليدي، وذلك بغرض التسلية والمرح، حيث عادة ما تقترب صغار هذا الحوت منها وتحتك بمروحتها أو بزعانف الاتجاه التي تتحكم في ملاحتها ” وأضاف الأندلسي أن ” سرعة تحقيق هذه الحيتان للإشباع الغذائي بسبب وفرة أسراب التونة وأبوسيف التي تعبر المحيط مهاجرة باتجاه البحر الأبيض المتوسط عبر مضيق طارق، يوفر لها فائضا من الوقت تقوم بتصريفه في اللعب، وذلك بالاقتراب من الزوارق أو القوارب والمراكب ” و أوضح المتحدث أن رصد ” الأوركا ” من طرف بعض الصيادين بسواحل ” بادس ” نواحي الحسيمة، وانتقال الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي صاحبه موجة من الخوف والتخويف من ” الأوركا ” في حين أن الأخير يعتبر كائنا طبيعيا يعيش في البحار والمحيطات كغيره من الكائنات منذ القدم “، واستطرد قائلا ” إنه من الغريب حقا أن يتم تسجيل حضور هذا الحوت النوعي في المتوسط الشرقي وبالضبط بمنطقتي الجبهة وبادس وكلايريس، حيث في الماضي كان يعيش في منطقة قصر الصغير والمياه الأطلسية المحاذية “، ورجح رئيس جمعية أزير فرضية أن ” يكون تحرك هذا الحوت باتجاه الشرق، مرتبطا ببحثه عن الغذاء أو بارتفاع ديمغرافيته ما يدفع بعض المجموعات للانتقال للعيش في مناطق بحرية أخرى “.
ولم يسجل أي حادث مرتبط بهجوم ” الأوركا ” على البشر في السواحل المتوسطية، غير أنه العام الماضي وثق الصيادون بقطاع الصيد التقليدي مشاهد بالفيديو تصور هجوم مجموعة من هذه الحيتان على شباكهم، بل فاق الأمر أن هاجمت قواربهم محدثة ثقوبا كبيرة في هيكلها، ما عرضها للغرق، وقد تم انقاذ الطاقم وسحب القارب المعطوب للميناء، حيث أبانت المقاطع المصورة عن سلوك عدواني لهذه الحيتان اتجاه قوارب الصيد وهو ما زاد من مخاوف الصيادين ووتر العلاقة بينهم وبين هذا الحوت الذي يعرقل نشاطهم في الصيد ويعرض اقتصادهم للضياع.
بحث الإجراءات للتعامل مع هذا الوافد البحري
ممثل الصيادين بقطاع الصيد التقليدي بغرفة الصيد المتوسطية كريم بنقدور أفاد بتضارب الأخبار بين الصيادين بخصوص ملاحظتهم ل ” الأوركا ” بالمصايد القريبة التي يقصدونها للصيد “، وأضاف أنه ” خلال الأيام القليلة الماضية تم تأكيد الخبر برصده بسواحل بادس وكلايريس، من طرف الصيادين الذين باتوا يتوجسون من ممارسة الصيد خوفا من أن يعبث بمعدات قواربهم “، مشيرا إلى أنه لم ” يتم تسجيل أي حادث بحري متعلق بنشاط ” الأوركا ” بالقرب من قواربهم بالمنطقة البحرية للحسيمة، اللهم ما تم بثه من مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر فيه هذا الحوت وهو عالق في شباك قارب صيد “. واعتبر بنقدور أنه انطلاقا من مهامه كعضو بالغرفة المتوسطية بطنجة سيعمل على إثارة هذا المستجد بالغرفة، لبحث الإجراءات التي ينبغي اتخاذها للتعامل مع هذا الوافد البحري الجديد بمناطق الصيد شرق المتوسط.
ويعتقد أن ارتفاع متوسط درجات الحرارة في العالم هو المسؤول عن زيادة وتيرة وشدة درجة الحرارة، حيث تسببت الموجة الحارة البحرية خلال السنوات الماضية في أن تتكاثر أعدادا كبيرة من أنواع الحيتان، مما دفعها للبحث عن الطعام في منطقة أكثر ضيقا بالقرب من الساحل المتوسطي.
حوت ” الأوركا لا تشكل تهديدًا للبشر
الناشط البيئي عبد الحميد توفيق أكد على أن حوت ” الأوركا لا تشكل تهديدًا للبشر في البرية، ومع ذلك، تم توثيق بعض الحوادث في الأسر حيث أظهرت الأوركا سلوكًا عدوانيًا تجاه المدربين أو الأشخاص الآخرين. وتعتبر هذه الحوادث نادرة وغالبًا ما تكون نتيجة الضغوط والظروف التي يواجهها الحيوان في الأسر، والتي تختلف بشكل كبير عن بيئته الطبيعية ” وأضاف ” أن هجمات الأوركا على السفن في مضيق جبل طارق والمناطق المحيطة به، خاصة في السنوات الأخيرة، تعد ظاهرة غير مألوفة ومثيرة للاهتمام. وعلى الرغم من أن الأوركا لا تهاجم البشر بشكل متكرر، فقد تم تسجيل بعض الحالات التي أظهرت فيها الأوركا سلوكًا عدوانيًا تجاه السفن، خاصة في منطقة مضيق جبل طارق التي تربط بين المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط “، وأوضح عبد الحميد أن ورقة بحثية ل” أليكس زيربيني (Alex Zerbini) ، رئيس اللجنة العلمية في اللجنة الدولية للحيتان والباحث في جامعة واشنطن (الولايات المتحدة)، بينت أن الأوركا تقترب من السفن بهدوء ونعومة، ويبدوا أنها تلعب. تدفع الدَّفَّة برفق باستخدام طرف أنوفها، وهذا السلوك يختلف تمامًا عن العدوانية ” .
وأشار الناشط البيئي إلى ” إحدى العمليات التي قد تفسر بداية الأوركا في “اللعب” مع السفن هي وفرة غذائها الرئيسي، ألا وهو تونة الأطلسي الحمراء، التي كانت مهددة بالانقراض بسبب الصيد الجائر. ومع تطبيق حصص صيد مستدامة، بدأت هذه الأنواع في التعافي، مما منح الأوركا وقت فراغ أكبر، وبالتالي أصبحت قادرة على القيام بهذه الأنشطة الاجتماعية “.
وكانت فعاليات مهنية بقطاع الصيد البحري، بعد غرق أربع قوارب للصيد التقليدي بمعداتها بطنجة، فيما نجا البحارة بعد عناء طويل، نتيجة هجوم ” الأوركا”، قد أثارت مطالب ب” إقرار تعويضات مالية في حالة التعرض لحالات اعتداء من حوت “الأوركا”، الذي كان سببا في حالتي غرق للقوارب المخصصة للصيد، شهر نوفمبر سنة 2023، في سواحل طنجة.
ونبه خبراء في عالم البيئة من مخاطر هذه الظاهرة، وكذلك من تفاقم الأزمات في قطاع الصيد البحري وتراجع الموارد البحرية بسبب تأثيرات التغير المناخي.
وكانت السلطات الإسبانية نبهت في بيان أن سواحل جنوب مضيق جبل طارق شهدت ظهور حيتان الأوركا، التي أغرقت قاربا يبلغ طوله 15 مترا.
ويترأس الحوت القاتل هرم السلسلة الغذائية بإعتباره أكبر حيوان مفترس في المحيطات. يتغذى على عدد متنوع من الفرائس كالأسماك (أسماك القرش، أسماك التونة ذات الزعانف الزرقاء، الهلبوت، سمك الرنجة، السلمون)، رأسيات الأرجل (الحبار و الأخطبوط)، السلاحف البحرية، كما يتغذى على الثدييات البحرية (الفقمات، أسود البحر، الفيلة البحرية، ثعالب الماء، الدلافين، خنازير البحر، الحيتان البيضاء، حيتان العنبر، حيتان المنك وغيرها من الحيتان)، الطيور البحرية مثل طائر البطريق. تتغذى الحيتان القاتلة في المتوسط على 45 كغ من الطعام يوميًا، و بإمكانها أن تأكل أكثر من ذلك بكثير.
وتعيش الحيتان القاتلة التي تعتبر حيوانات إجتماعية، معظمها في مجموعات تتكون عادة من 20 فردا أو أكثر. يعيش الحوت القاتل في جميع بحار و محيطات العالم. تفضل الحيتان القاتلة عادة الأعماق التي تصل إلى 300 م. وتتواجد بالمناطق القطبية الشمالية و الجنوبية، وتفضل المياه الساحلية الباردة المعتدلة مثل مياه اليابان و ألاسكا، و هذا ما يفسر سبب ندرتها في مياه البحر الأبيض المتوسط. ويعتبر الحوت القاتل أو حوت الأوركا من الأنواع المهاجرة.
خالد الزيتوني-المغرب الأزرق-الحسيمة