المتتبع للشأن القطاعي في الصيد البحري سيلاحظ حركة غير عادية على مستوى أعلى الهرم اتجاه القواعد المشكلة للقطاع،و نعني تلك الاجتماعات الماراطونية بسرعة قصوى لتشكيل فريق واحد و موحدة لمواجهة تحديات الآن و الغد.
فمنذ تعيينها كاتبة للدولة مكلفة بالصيد البحري، تقود زكية الدريوش سلسلة اتصالات و اجتماعات مع جميع الفصائل المشكلة للقطاع، استراتيجية تواصلية ذكية لقيادة المرحلة بفريق منسجم و متكامل في ظرفية جد صعبة لن تكون أبدا كما كانت قبل عقد و نيف.
و ربما في المرحلة السابقة كانت الأولوية في تنزيل اسراتيجية اليوتيس التي شابها ما شاب من عيوب و ما تحقق من أنجازات وسط زخم من الاحداث المتلاحقة، و زحمة الفاعلين و المتدخلين و المنتفعين، و هو ما ولَّد صراعاتٍ جانبية وسعت من جو عدم الثقة ، وأفضت الى ما عاشه قطاع الصيد البحري قبل ثلاث سنوات من حالة الموت السريري، في ظل ظرفية اقتصادية دولية و ظرفية مناخية قاسية ، كانت لها أثار كبيرة ، و تعيش مجتمعات الصيد على وقع تداعياتها.
من خلال تجربتنا المتواضعة في تتبع الشأن العام القطاعي و اشتغالنا مع جل الفاعلين عن قرب، يمكن القول أن النهج الذي تعتمده زكية الدريوش هو المفروض أن يكون في كل إدارة تحترم نفسها و تسعى الى تحقيق الأهداف.
فقد أكدت التجربة السابقة على قصور الأداء بالاعتماد -فقط- تارة على الموارد البشرية التابعة لقطاع الصيد البحري في تنزيل استراتيجية اليوتيس دون إشراك الفاعلين الاقتصاديين بجميع تشكيلاتهم، أو اعتماد الانتقائية في تشكيل فريق العمل الذي ولَّد الفوارق و أنتج الصراعات وسط تضارب صارخ للمصالح ، أفضى الى انتاج فئة متغولة وقوى تتحكم في القرارات الى درجة أفقدت الإدارة هيبتها و سلطتها و اعتبارها الشخصي.
و في قراءة للخطاب الذي تعتمده زكية الدريوش خلال جميع الاجتماعات ، و الذي يحث على السير قدما نحو الامام ، و العمل الجماعي لتحصين المكتسبات و تعزيز الدور الطلائعي و الاستراتيجي الذي يلعبه قطاع الصيد البحري ، إن على مستوى الأمن الغذائي أو إنعاش الاستثمارات و توليد فرص التشغيل ، نستشف وراءه و في مضامينه إرادة قوية لاستدراك الهدر الزمني الذي عاشه القطاع قبل سنين ، والذي لايزال يعيش تداعياته أكثر من 3 ملايين مواطن مغربي، خصوصا و أن الهدر الزمني مقتطف من الزمن الانتخابي ، حيث لم يتبق إلا أشهرا على نهاية الولاية الانتخابية الحالية، وسط انتظارات بالوفاء بالالتزامات و ترقية الوضعية السوسيو اقتصادية لمجتمعات الصيد البحري.
و في اعتقادنا و المتواضع النابع من قناعة شخصية أن ما تذهب اليه زكية الدريوش في رؤيتها أبعد من استدراك الهدر الزمني للولاية الانتخابية الحالية بل هو إعادة ترتيب البيت الداخلي لقطاع الصيد البحري بما تستوجبه المسؤولية اتجاه جميع الشرائح باعتمادها على “الذكاء الاجتماعي”، وهنا استسمح في استعمال كلمة “تصويب و تصحيح” بعض الأخطاء و الانحرافات و الانزلاقات التي شابت المرحلة السابقة.
الملفت هو الاجماع على الترحيب والإشادة بالانفتاح الذي عبرت عنه جميع الفعاليات في قطاع الصيد البحر التي كانت طرفا في اللقاءات التواصلية مع زكية الدريوش. و هو ما يعكس التفاعل الإيجابي ، خصوصا و أن الجميع يؤكد على التعاون مع كاتبة الدولة ، ما يضمن للقطاع أداء جيدا على الأقل في هذه المرحلة.
و لأن التحديات كبيرة تتمثل في التغيرات المناخية التي أثرت و لا تزال تؤثر على الإنتاج و على استقرار الاستثمارات ، و كذلك على الأمن و السلم الاجتماعي، في قطاع متعدد الروافد و المفاصل ، و يعيش عليه أكثر من 3 ملايين مواطن مغربي ، فمن الضروري التحلي بالحكمة و اليقظة و الجهوزية و التجرد لمواجته الازمة الصامتة، اعتبارا للثقة الملكية التي حظيت بها زكية الدريوش و ثقة هذه الأخيرة في مكونات القطاع ، و كيف لا و هي من حقق الإجماع على العديد من القضايا الحاسمة في تاريخ القطاع .
التحدي الذي لا يقل أهمية عن التغيرات المناخية ، وهو المحافظة على جاذبية القطاع من حيث توفير الدعم و المواكبة العادلة و المتوازنة بنفس القدر و المسافة بين مكونات القطاع، و هذا ورش كبير يحتاج الى تفصيل سنتطرق له لاحقا.خصوصا و أن المغرب مقبل على مرحلة مهمة، تتمثل في ابداء العديد من الدول الصديقة اهتمامها و رغبتها في توطين الإستثمارات بالأقاليم الجنوبية، ما يعني دخول منافسين أشداء و ذوو خبرة في مجالاتهم، و على رأسها تربية الاحياء المائية و الصناعات السمكية و التسويق. هذا فضلا عن “مبادرة الحزام الأزرق” و التزامات المغرب اتجاه الدول الافريقية التي تحتاج الى جهد خاص و نوعي و فريق عمل من مستوى رفيع.
جبهات عديدة تواجهها زكية الدريوش عبر ترتيب البيت الداخلي و رص الصف، بفريق ذي خبرة مشهود لها ، و نخص بالذكر فريق “التواصل”. و لأننا جزء لا يتجزأ من هذا الفسيفساء ، فلن نكون شاردين او جانحين ، بل نؤكد من جهتنا على مواصلة لعب دورنا الاعلامي في المواكبة و الدعم ، و التوجيه لما فيه مصلحة قطاع الصيد البحري و الوطن.
كتبها للمغرب الأزرق الأستاذ حاميد حليم
مستشار في الإعلام البحري و التواصل.
عضو المرصد الإعلامي للصيد المستدام بأفريقيا.