يشكل قرار وقف الحرب في غزة نقطة تحول هامة في السياق السياسي والاقتصادي العالمي، حيث سيسهم في خلق حالة من الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر من أبرز المحاور الاستراتيجية في العالم.
ووفقًا لتوقعات العديد من الخبراء الاقتصاديين، فإن هذا القرار سيؤثر بشكل إيجابي على العديد من القطاعات الاقتصادية الحيوية، مثل حركة الملاحة البحرية، وتكاليف الشحن، والتجارة العالمية.
بالإضافة إلى توفير بيئة أكثر ملائمة لتحقيق النمو الاقتصادي العالمي. من خلال هذا التصريح، نسلط الضوء على التحولات الاقتصادية المحتملة التي قد تنجم عن هذه الخطوة، والتحديات والفرص التي قد تطرأ على الأسواق العالمية والإقليمية.
وقف الحرب في غزة
صرح الدكتور مصطفى أبو زيد، الخبير الاقتصادي، قائلاً: “بالتأكيد، قرار وقف الحرب في غزة سيكون له تأثير إيجابي كبير على الاقتصاد العالمي
حيث سيساهم بشكل فعال في تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، مما يعني بدوره استقرار حركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر، وهذا الاستقرار سيؤثر إيجابياً على قناة السويس، وهو ما سينعكس بشكل مباشر على حركة التجارة العالمية وانسيابية سلاسل الإمداد.”
و أضاف أبو زيد في تصريحات خاصة لموقع Econ-Pedia : “من المتوقع أن يؤدي هذا الاستقرار إلى تراجع تكلفة الشحن التي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا بسبب التوترات الجيوسياسية في البحر الأحمر، إضافة إلى تراجع تكلفة التأمين على السفن العابرة في المنطقة.
كما أن هذا الاستقرار سيساهم في تقليص معدل التضخم العالمي، حيث أن ارتفاع تكاليف النقل والشحن والطاقة كان أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى زيادة تكاليف السلع والبضائع.
وبالتالي، سيخدم هذا التوجه جهود البنوك المركزية العالمية في السيطرة على ارتفاع معدلات التضخم.”
وأشار إلى أن “قرار وقف الحرب سيكون له أيضًا انعكاسات إيجابية على مستهدفات الاقتصاد العالمي، حيث سيسهم في تحقيق معدل النمو المستهدف وزيادة الناتج العالمي الإجمالي، وهو ما يعزز الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل.”
اقتصادات منطقة الشرق الأوسط
وأوضح الدكتور مصطفى أبو زيد أن “اقتصادات منطقة الشرق الأوسط ستكون من أبرز المستفيدين من تهدئة الأوضاع، خاصة في مجال السياحة والطيران في مصر والأردن ولبنان.
فعودة حركة السياحة والسفر إلى معدلاتها الطبيعية تعد من الأولويات، حيث يعد قطاع السياحة من المصادر الهامة للعملة الأجنبية لهذه الدول. كما أن قناة السويس، التي شهدت انخفاضًا كبيرًا في إيراداتها خلال العام الماضي بما يقدر بحوالي 7 مليار دولار، ستستفيد بشكل كبير من هذا الاستقرار.
فإيرادات قناة السويس تعد أحد المصادر الأساسية للعملة الدولارية للاقتصاد المصري، إلى جانب السياحة والصادرات وتحويلات المصريين بالخارج، وكذلك الاستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة.”
وتابع قائلاً: “من المتوقع أن يساعد وقف الحرب في غزة على تخفيف الضغط الاقتصادي على دول الشرق الأوسط، خاصة دول الجوار المباشر لمصر، بما يساهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي الإقليمي.”
و فيما يخص إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب، أشار الدكتور مصطفى أبو زيد إلى أن “هناك تحديات كبيرة في هذا الملف، وأهمها هو تدبير التمويل اللازم لهذا المشروع الضخم. حيث تقدر الأمم المتحدة تكلفة إعادة الإعمار في غزة بحوالي 80 مليار دولار، في ظل الدمار الكبير الذي تعرض له القطاع، حيث تم تدمير نحو 70% من بنيته التحتية، ويحتاج الأمر إلى سنوات طويلة قد تمتد حتى عام 2040 لإتمام عمليات إعادة الإعمار.”
الدكتور مصطفى أبو زيد أكد أن “الاستقرار في غزة سيساهم بشكل كبير في تخفيف العبء الاقتصادي على المنطقة، مما سينعكس على تحقيق تنمية اقتصادية متكاملة تعود بالفائدة على جميع الأطراف المعنية.”
تأثيرات عالمية
صرح الباحث الاقتصادي محمد محمود عبد الرحيم قائلاً: “إنه قبل كل شيء، يجب أن نعرب عن فائق التقدير لصمود الأخوة في قطاع غزة، فالصمود الفلسطيني أصبح نموذجًا يحتذى به في التمسك بالتراب الوطني، لقد أسفرت الحرب الحالية عن ارتباك اقتصادي في منطقة الشرق الأوسط، حيث تأثرت سلاسل التوريد والشحن البحري، في وقت يعاني فيه العالم من مستويات تضخم مرتفعة.”
وأضاف عبد الرحيم في تصريحات خاصة لموقع Econ-Pedia: “تعتبر منطقة الشرق الأوسط، وخاصة البحر الأحمر وقناة السويس، من أهم الممرات البحرية في العالم، والتوترات السياسية في هذه المنطقة تؤثر بشكل كبير على حركة الملاحة والشحن، ولذلك، فإن وقف الحرب في غزة سيسهم بشكل كبير في استقرار حركة السفن، مما يعزز التجارة العالمية ويساعد في خفض تكاليف الشحن، وهو أمر بالغ الأهمية للاقتصادات العالمية.”
وأضاف عبد الرحيم: “من المتوقع أن يؤدي وقف الحرب إلى تراجع كبير في تكاليف الشحن والتأمين، التي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا بسبب التوترات في المنطقة، وهذا التراجع في التكاليف سيسهم في خفض أسعار السلع على المستوى العالمي، وهو ما سينعكس إيجابيًا على الاقتصاد العالمي، حيث ستتراجع الأسعار بشكل عام.”
وتابع قائلاً: “إن النزاعات الجيوسياسية، مثل الحرب في غزة، تؤدي إلى زيادة تكاليف النقل والشحن والطاقة، وهو ما يساهم في ارتفاع معدلات التضخم حول العالم، لكن مع توقف الحرب، سيسهم ذلك في استقرار الأوضاع الاقتصادية في المنطقة، مما سيساعد البنوك المركزية العالمية على السيطرة على التضخم.”
تعزيز النمو الاقتصادي العالمي
وأوضح عبد الرحيم: “استقرار منطقة الشرق الأوسط سيسهم في تعزيز النمو الاقتصادي العالمي، حيث من المتوقع أن يساهم في تحقيق مستهدفات النمو من خلال تعزيز حركة التجارة العالمية. التوقعات تشير إلى أن استقرار الأوضاع في المنطقة سيساعد في زيادة الناتج المحلي الإجمالي العالمي.”
و أكد عبد الرحيم أن وقف إطلاق النار المحتمل سيحمل انعكاسات اقتصادية كبيرة على مصر، حيث من المتوقع أن يشهد الاقتصاد المصري جذب استثمارات أجنبية جديدة، بالإضافة إلى تحسن سريع في عائدات قناة السويس، التي شهدت انخفاضًا ملحوظًا في الإيرادات، والتي كانت قد حققت رقمًا قياسيًا بلغ نحو 10 مليار دولار قبل الحرب.”
وتابع قائلاً: “من المتوقع أن تشهد الشركات المصرية نشاطًا كبيرًا في ملف إعادة إعمار غزة، حيث تشير التقديرات إلى أن تكلفة إعادة إعمار غزة قد تتجاوز 80 مليار دولار، وقد تستمر حتى عام 2040. مع وقف إطلاق النار، من المتوقع تحسن مؤشرات البورصة المصرية، وتخفيض الضغط على الاحتياطي النقدي، وتحسن تدفقات النقد الأجنبي.”
وأوضح عبد الرحيم: “حرب غزة قدمت درسًا اقتصاديًا هامًا، حيث ظهرت مبادرات ابتكارية في محاولة للتأقلم مع ظروف الحرب، مثل بناء خيم غير تقليدية، والزراعة العمودية، وتوليد الكهرباء وتحلية مياه الشرب. هذه المبادرات تؤكد أن الابتكار أصبح جزءًا أساسيًا من الاقتصاد الحديث، بل وفي إدارة الأزمات أيضًا.”
الوضع الاقتصادي الفلسطيني
وأكد الباحث الاقتصادي قائلاً: “إن المبادرات الحالية لوقف إطلاق النار لا تكفي لتحقيق أحلام الشعب الفلسطيني، وفي حال تم التوصل إلى تسوية شاملة للقضية الفلسطينية، سيكون لذلك تأثير إيجابي كبير على الاقتصاد، من خلال زيادة التبادل التجاري، وتعزيز السياحة، وجذب الاستثمارات الأجنبية، فالوضع الاقتصادي الفلسطيني في الوقت الحالي يواجه تحديات ضخمة، ولا يمكن وصفه إلا بأنه في حالة احتضار، حيث يعاني من غياب العملة الوطنية، والموانئ البحرية، والمطارات، والحدود الجغرافية المتصلة، بالإضافة إلى الضرائب الكبيرة والعراقيل المستمرة من الاحتلال.”
واختتم عبد الرحيم تصريحاته قائلاً: “بالتأكيد، مع وجود تطلعات مستقبلية لدولة فلسطينية مستقلة، ستشكل هذه الفرص الاقتصادية الأفضل لدول الجوار، خصوصًا مصر والأردن. وفي النهاية، ستظل مصر دائمًا داعمة للقضية الفلسطينية.”