شهد الأسبوع الماضي احتداما في النقاش حول الصيد البحري و الفساد و التحكم و غيرها من المصطلحات الظلامية، وهو ما كشف جهلا عميقا من لدن بعض فرسان الساسة و الفسابكة و التكاترة(التيكتوكرز) و العامة من أبناء هذا الوطن.
حتى الجسم الإعلامي او “الظاهرة الإعلامية” ، كشفت عن وجوده سلبي لكثير من المنابر كحمالة حطب ، فيما اللمم منها من اتخذ موقف المتفرج احتراما لذاته و لمحدودية معرفته بخبايا القطاع.
و قد تجلى ذلك جليا في تعظيم ظاهرة “الفتى المراكشي” الى درجة كبيرة سمحت بتمرير العديد من المغالطات التي استمسك بها المواطن البسيط ، و جعلها قاعدة على الاستثناء، و على رأسها تحميل وزارة الصيد البحري مسؤولية ارتفاع أسعار السمك ، هذا رغم خروج رئيس غرفة الصيد البحري الأطلسية الشمالية الذي أوضح في تصريحه لقناة ميدي1 ، أن السوق يخضع لمبدئ العرض و الطلب و أن الأسعار تختلف من ميناء لآخر، و أن التكاليف تختلف حسب المسافة و نوع الخدمة.. و كذلك تصريحات الدكتور “محمد الناجي” الخبير والباحث في الصيد البحري في ذات البرنامج لتأطير الرأي العام حول الاختلالات التي تجعل من المنتجات البحرية تعرف أسعارها ارتفاعا صاروخيا وحارقا لجيوب المواطنين، وهو الخطاب التي لا ولن يدغدغ مشاعر المواطن المشحون عبر منصات التواصل الاجتماعي و المعبأ حقدا على الحكومة ، لدرجة لن يمكِّنه مستوى الوعي و ان اتسع ليستوعب أن هناك سوقين لبيع السمك السطحي بالمغرب ، أحدهما يطلق عليه “السمك السطحي الصناعي” و المسقف بثمن مرجعي لا يتعدى 3 دراهم، و آخر يخضع للمزاد العلني ، بمعنى أن المصدر ليس واحدا وبالتالي الاثمنة تختلف حسب المصدر ومعها تكاليف الإنتاج.
حتى منشط قناة ميدي1 في برنامجه تحمس بشكل كبير في استرسال الأسئلة ليتساءل على ثمن السردين ليوم الغد، ضاربا مداخلة رئيس غرفة الصيد البحري الأطلسية الشمالية و أجوبته و كذلك تصريحات الدكتور “محمد الناجي” الاستاذ الباحث بمعهد الحسن الثاني للزراعة و البيطرة ، ان السريدن سمك عابر مهاجر و وفرته ترتبط بعوامل الطقس و درجة مياه البحر ، و لا يعلم أن الصيد بيد الله و أن الشائع في ثقافة مجتمعات الصيد “على مولانا” التي تلازم جميع الحركات و السكنات عند رجال البحر منذ انطلاق رحلة الصيد “على مولانا” و رمي الشباك “على مولانا” و جر الشباك “على مولانا” والعودة الى الرصيف “على مولانا”..
أكيد أن المضاربين و الشناقة و الوسطاء هم سرطان أي علاقة بين طرفين، في السوق كما في الإدارة و هي ظاهرة عامة ، لا يمكن انكارها او تجاوزها و تجب محاربتها ، و ربما حضور زكية الدريوش كاتبة الدولة في الصيد البحري شخصيا لأكبر سوق بالمغرب للبيع الأول في الساعات الأولى من صباح اليوم الأول من شهر رمضان فيها عدة رسائل، أولها أن الإدارة تتابع عن كثب ما يروج و ما يشاع في سوق الاخبار، في نفس الآن تتدخل الإدارة في الوقت المناسب لتلعب دورا اكبر من دورها ، واكبر من امكانياتها بتعاون مع المنتجين لنسف مناورات المحتكرين و المضاربين ، و هو الدور الذي يمكن أن تلعبه وزارة الداخلية عبر تعزيز المراقبة ، أو يلعبه المشرع في البرلمان الذي يقصف عن جهل و لا يبالي من أجل ادراج السردين على قائمة المواد الأساسية المحمية او المدعمة، من أجل حماية المستهلك.
الرسالة الثانية لزكية الدريوش كاتبة الدولة في الصيد البحري هي “الرد القطعي” على الجهات التي تختزل أزمة ارتفاع الأسعار في وجود تواطؤ بين كتابة الدولة في الصيد البحري مسؤولية و لوبي الصيد البحري ، حيث أكدت اليوم زكية الدريوش على أن الأسعار تخضع لمبدء العرض و الطلب و تنحصر مسؤولية الإدارة في تدبير المصايد و المحافظة على الثروة السمكية.
و سيكون على الاعلام بكل تلاوينه الوقوف على هذا التصريح التاريخي ، و حفره في الذاكرة و تعميمه على الراي العام، بل جعله مادة إعلامية دسمة على غرار ما حضي به فتى مراكش من اهتمام مبالغ فيه حتى توجه المدفعيات صوب هدفها عوض الحيط القصير.
و بالتالي يبقى على وزارة الداخلية و رجالاتها على المستوى الترابي الاهتمام أكثر بملف الصيد البحري بدء من إعادة الاعتبار للتمثيليات المهنية داخل المجالس المنتخبة، و حماية المستهلك من خلال تنظيم تجارة السمك في نقط بيع مجهزة و مؤهلة خاضعة للسيطرة الصحية، و الانخراط الفعلي في مكافحة الصيد غير القانوني العشوائي غير المصرح به او ترويج المنتجات البحرية المحمية او الممنوع صيدها او التي لا يتوفر فيها الحجم التجاري المسموح به، بما أن رجالات الداخلية تتوفر فيها الصفة الضبطية.
أما المواطن التائه وسط زحمة الغلاء و ماكينة الإعلام الموجه ، فلا يزال بعيدا عن الوعي بأهمية دوره الكبير و المحوري في ضبط السوق و المحافظة على الثروة السمكية، و هو الورش الذي يجب فتحه من أجل نجاعة في السياسات العمومية في الصيد البحري.
كتبها الأستاذ حاميد حليم
مستشار في الاعلام البحري و التواصل
عضو المرصد الإعلامي للصيد المستدام بأفريقيا.