ليس بالضرورة أن تحقق استراتيجية اليوتيس 100% من أهدافها، و اذا كانت ارادة تطوير القطاع او تنظيمه مطمح كل فاعل مدني او مهني او سياسي او تقني، فيمكن القول أن مجرد اعلان المباديء يعكس الارادة، فيما الانخراط في المشروع هو تجسيد للارادة.
الشاهد أنه و منذ اطلاق استراتيجية اليوتيس سنة2009 عرف القطاع دينامية و حيوية ذابت فيها التفاصيل، حتى أن من الاهداف التي تحققت لم يستشعر أحد لا مراحل اعدادها ، و لا ظروف التنزيل الى أن لمس بعضا من التغيير.
و الظاهر أن أي نتيجة لا بد لها من مراحل طبيعية لتمر منها حتى تثمر، و أيا كانت النتيجة، غير أن المهم هو الفعل و الأثر، فيما يمكن للنتائج أن تقيَّم لتقوَّم في حالة السلب (و الكمال لله تعالى، وخير الخطائين الثوابون ).
بالنظر الى ظروف تنزيل استراتيجية اليوتيس في نسختها الأولى، لا يتناطح كبشان حول الظروف التي كان يعيشها القطاع، و طبيعته و طبيعة مجتمعاته و ثقافاته، مع الوقوف جيّدا عند “المتدخلين و الشركاء في تدبير المصالح المشتركة”، فضلا عن الإمكانيات و الموارد، ما يفسر ضعف النتائج أحيانا، و المردودية أحيانا أخرى، و فشل التدبير في أحيان كثيرة، حيث تعلّق الاخفاقات على شماعة وزارة الصيد البحري.
و كما قالت زكية الدريوش الكاتب العام لقطاع الصيد البحري في وقت سابق” أن استراتيجية اليوتيس هي سابقة في زمانها بالنسبة لقطاع الصيد البحري بالمغرب”، بمعنى أن الأهداف و الرؤية قد تكونان اكبر من وعي مجتمعات الصيد البحري، و هو ما يفسر الكثير من التصادمات و الاحتقانات التي عرفتها العشرية الأخيرة، حتى ان عددا من القطاعات الحكومية بقيت شاردة و كأنها غير معنية ،كالطاقة و الضرائب و الجمارك و الداخلية …في حين تعتبر شريكا اساسيا في التدبير اليومي لقطاع الصيد البحري، و تتحمل طرفا من المسؤولية في تعثر النتائج ان لم نقل فشلها.
و بالنسبة لأي متتبع و عارف بشؤون قطاع الصيد البحري و كواليسه، سيفهم أن أهم ما تم إنجازه هو ” التأسيس لمنظومة قطاع الصيد البحري المعاصر بالمغرب” ، طبعا هناك إخفاقات و كوارث دفع و يدفع ثمنها المهنيون بمن فيهم رجال البحر، و كذلك الدولة المغربية في اقتصادها و مواردها، و كذلك الثروة السمكية، فالتطور و التحضر و المدنية دوما تبنى على أنقاض البيئة.
تنوع أسطول الصيد البحري المغربي، تنوع المصايد، تنوع الثقافات، ديمغرافية مجتمعات الصيد، دون أن ننسى قوى التحكم السياسي و المهني و العلاقات الخارجية، كلها خيوط لا بد من تتبعها حتى نفهم لماذا تتشابك الخيوط في بعض المسارات، و لماذا تقرع طبول الحرب و تستعر نيرانها بين الفصائل من ذوي المصالح.
الحراكات الأخيرة التي تعرفها الساحة المهنية ، لا يمكن تجاوزها، و الا كنا عميانا او غير معنيين، و ما نحن بذلك، لكن و لأننا جزء من قطاع الصيد البحري، سيكون لزاما علينا الإدلاء بالرأي و تشريح الوضع لمن يعينه الأمر، حتى تتضح الرؤية و حتى لا يتم توظيف الوضعية لفائدة جهات ضد أخرى، أو تسخير الوضعية لخدمة أجندات معنية، ولو أن آراءنا أحيانا تزعج كثيرين ممن يضرهم الأمر.
الأمر جد بسيط، و المتتبع للخرجات الإعلامية لبعض الفاعلين و المسؤولين في القطاع، سيسجل أنها لم تنبس ببنت شفة ضد استراتيجية اليوتيس و لا أهدافها الكبرى، و إن جاءت في صيغة تعميم ، غير أن المشترك في كل الخرجات هو نداء الضمير ل”حماية الثروة السمكية” من يقول حماية الثروة السمكية يعني حماية مورد رزق المهني و البحار و ثلاثة ملايين مواطن مغربي يرتبط معيشهم اليومي من الصيد البحري، أي “الاستدامة”.
و كما هو معلوم فالثروة السمكية هي أحياء مائية خاضعة لقانون الطبيعة، تنمو تتكاثر تموت في دورة حياة، و تقاوم لتعيش او تهاجر الى حيث الحياة، و بالتالي فالتعويل على بقاء الأرصدة السمكية تابته بالرغم من وضع مخططات تهيئة المصايد و في ظل التغيرات المناخية سيكون كمن يغربل البحر.
ما أصاب المخزون السمكي من تدهور خلال العشرية المنصرمة يمكن بسطه في نقط :
– تطور أسطول الصيد البحري و تطور تقنيات الصيد.
– ظهور جيل جديد من الربابنة في مغرب آخر غير مغرب الألفية الثانية ،مفتقد للحس بالمسؤولية و القيم كثير الجشع شعاره الربح السريع(الا من رحم ربك).
– استهداف أصناف معينة دون البحث عن استهداف 600نوع أخر من المخزون السمكي.
– عجز البحث العلمي.
– عدم تطوير أنظمة الصناعات السمكية.
– عدم تطويرمنظومة التسويق
– التغيرات المناخية (التقلبات الجوية و الجفاف).
– غياب مجتمع مدني يعنى بالبيئة البحرية.
رغم أن المغرب يتجه الى تربية الأحياء المائية ، فيبقى هذا الرهان جزء ضئيل من الحل للتخفيف عن المصايد ، لكن يبقى السؤال عن أي أحياء مائية نتحدث؟ اذا كانت مجرد أصناف معدودة كالصدفيات، أو القشريات و الطحالب ونوع او اثنين من الأسماك نجدها في المتوسطي .
إن أول الخيوط الرفيعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه و الخروج من الأزمة التي تنذر بالانفجار في وجه الجميع، و ينهار معها كل شيء، و الذي لن يوصي به السيد “فاليسانس” طبعا، و هو “التواضع” و التحلي بميزة الإنصات و التجرد، و اعتماد خطاب العقل بعيدا عن الشعارات الهلامية، و لن نقول بضرورة نبذ الخلافات ،لأن طبيعة القطاع و المشترك فيها يفرض دوما الخلاف و تضارب المصالح ، حيث اللغة السائدة هي لغة “المال” ، لغة من يربح و من يخسر و من يستمر. لكن يمكن القول بضرورة فتح نقاش عمومي بين جميع الأطراف المتدخلة و من جميع القطاعات من الصيد البحري الى التجهيز و النقل و اللوجيستيك و الطاقة ، و المالية، التجارة والصناعة، الأسرة و التضامن، الداخلية بجميع أجهزتها، المؤسسة العسكرية البرية و البحرية و الجوية، و الدرك الملكيثم التعليم و القضاء.
كثير من الدول اعتمدت راحة بيولوجية لسنين حتى تتعافى مصايدها كالبرازيل و البيرو ، و أخرى منعت سفن الصيد بالمياه المبردة ، و الصيد الصناعي باستعمال شباك الجر و أخرى تخلت عن تربية الأحياء المائية بسبب التلوت…لكن القرارات غالبا ما كانت استراتيجية، و من منطق المصلحة العامة لمدة محدودة دون جور و شطط، مع وضع سياسات عمومية و بدائل للحد من تداعيات القرارات.
كتبها للمغرب الازرق :حاميد حليم
مستشار في الاعلام البحري و التواصل.