ما ذا تخفي الحملة الإعلامية ضد مصالح مندوبية الصيد البحري بالعيون؟
سؤال تكشف عنه الحرب الاقتصادية بين قطبي الداخلة و العيون . و السبب هو تراجع السردين و اختفاؤه لفترات طويلة عما هو معهود ، ما ولد تداعيات بدأت تضرب مفاصل الصيد و تجارة السمك و الصناعات السمكية بالأقاليم الجنوبية، و تهدد بانهيار استثمارات ثقيلة وفقدان مناصب شغل بالآلاف ، ما يدعو الى اليقظة و التجرد و التضامن من أجل تجاوز الازمة.
الفاعلون الاقتصاديون في قطاع الصيد البحري الذين طالما كانوا نموذجا منقطع النظير في التضامن و التلاحم في مواجهة أعتى الأزمات الديبلوماسية و الاقتصادية و الكوارث البيئية والصحية، فشلوا في الخروج من الأزمة التي افتعلوها و بسبب ما كسبت أيديهم ، حيث باتت جميع الفصائل من الصيد التقليدي الى الصيد الصناعي مرورا عبر الصيد الساحلي و تجارة السمك تنهش بعضها ، و تتنصل من تعهداتها و تتحلل من التزاماتها و من المواثيق التي تجمعها، دون اعتبار للتداعيات و لا للمكتسبات.
ما جرى بالعيون و يجري اصبح يطرح سؤالا كبيرا هل تتحول العيون الى حلبة صراع للحيتان ؟هل فقط مندوبية الصيد البحري بالعيون هي من تتحمل تكاليف الحرب؟ هل فقط مناديب الصيد البحري بالعيون المقدر عليهم دفع فاتورة الحرب بين الفصائل من تنقيل و تنكيل و تدمير المسار المهني…؟.
قبل سنين عشنا و الراي العام المهني في الصيد البحري على وقع حرب إعلامية موجهة ضد مصالح الصيد البحري بالعيون حصريا، تارة فيما يتعلق بالصيد غير القانوني و أخرى حول الفقيرة ثم التهريب و تابعنا بعض التفاصيل التي تحاك من الداخلة لافتعال الازمات بالعيون، بسبب”جراد البحر” ، ليسطر فصل جديد من فصولها ب” ترويج السردين دون الحجم التجاري المسموح به”.
ما بلغنا من مصادر متفرقة و متنوعة و ذات مصداقية يفيد بوجود منافسة شرسة و حرب صامتة بين قطبي الصناعات السمكية بالعيون و الداخلة نتيجة قلة العرض من السردين، بل و دخول جهات من الداخلة على خط المنافسة على المنتوج المحلي للدائرة البحرية بالعيون، لإنقاذ استثماراتها، وهو سعي محمود في ظل اقتصاد السوق و انفتاحه، و عدم وجود موانع قانونية، غير أن حدة المنافسة وسط قلة العرض سيثير لا محالة شنآنا بين الجارين مع وجود الفارق.
فالصناعات السمكية بالداخلة ليست كمثيلتها في العيون، لا من حيث طبيعتها و خصوصيتها و حجمها و لا من حيث العائد على التنمية، إذ تعد هذه الاستثمارات الثقيلة هي الدعامة الأساسية للتنمية بجهة الداخلة، فيما نشاط الصيد البحري و تجارة السمك يبقى هو المولد للدينامية الاقتصادية و الاجتماعية بجهة العيون، و بنزر قليل تحل الصناعات السمكية، و بالتالي فتراجع المخزون من السمك السطحي له تأثير كارثي على جهة الداخلة بمستويات أعلى من الجارة الشمالية العيون التي تستفيد من ثلاث موانئ(طرفاية-العيون-بوجدور)تمكنها من خلق دينامية سوسيو اقتصادية بسبب تنوع الأنشطة و الموارد البحرية و حجم التفريغ و الأنشطة المرتبطة بها من لوجيستيك و خدمات…
هذا الوضع سيفرض على بعض الفاعلين -حتى لا نعمم- التحرك للبحث عن مخرج للأزمة بالعيون، و لو بشكل أحادي و بأي ثمن، و لو بتقديم عروض و تحفيزات جد مغرية للصيادين و تجار السمك بالعيون، ما سيزلزل منطقة الراحة من تحت أرجل الفاعلين الاقتصاديين في الصناعات السمكية بالعيون، و بالتالي سيسعى كل طرف للتشمير عن ساعديه للمحافظة على مكتسباته و حماية مصالحه و استثماراته من الانهيار. و في هكذا حروب للأسف ليست حروبا ناعمة بل حروبا قاصمة ، تستعمل أقذر الأسلحة و الوسائل دون اعتبار للقيم.
و بالرجوع الى ثلاث سنوات تم استصدار قرار توقيف نشاط اسطول الصيد التقليدي بالداخلة لأشهر بدعوى المحافظة على الثروة السمكية او الأخطبوط إن صح التعبير ، حيث كان من وراء القرار اسطول الصيد بأعالي البحار المرابط باكادير، و كان من تداعياته غير المحسوبة اجتماعيا فواجع اجتماعية حيث سجلت حالات انتحار في صفوف الصيادين بسبب صعوبة توفير لقمة العيش و تغطية التكاليف .
و بعد الأخطبوط ها هو السردين يرحل بسبب الصيد الجائر و بسبب ارتفاع حرارة المحيط..
و في ظل هذا الوضع المفروض إيجاد حلول جذرية و مبتكرة و على راسها البحث عن أسواق للتموين السمكي، فليس عيبا ان يتم الاستعانة بأرصدة خارجية على غرار ما هو جاري به العمل في عدد من الدول التي تنظر الى الاستدامة خارج الصندوق. و لنا في الاتحاد الأوربي و روسيا و اليابان عبرة كيف أنها أكبر الأقطاب العالمية في الصناعات السمكية و تستجلب المادة الأولية من الخارج لاعادة تحويلها على اراضيها و تثمينها و رفع قيمتها. فليس تدبير المصايد فقط(حل /سد)، بل إيجاد حلول مبتكرة.
أكيد أن سردين المغرب من أجود المنتوجات في العالم و رأس مال وطني و اقتصادي و ديبلوماسي، لكن العالم مستعد لايجاد بديل عن سردين المغرب خصوصا مع احتدام المنافسة الامريكية اللاتينية و الصينية.
الشاهد من خلال هذه المقالة أن ازمة تخلف الصيد البحري بالمغرب تجد جذورها في غياب جرأة و إرادة حقيقية في التفكير خارج الصندوق، و الإرتكان الى اجترار التجارب الداخلية المتخلفة ، و الخوف من المجهول، و dont touche /à ne pas toucher ، تحت بند” كم من حاجة قضيناها بتركها”.
كتبها للمغرب الأزرق الاستاذ حاميد حليم
عضو المرصد الاعلامي للصيد المستدام بأفريقيا.