في رحلة استكشافية غير مسبوقة امتدت من يناير إلى أبريل، أبحرت بعثة علمية طموحة حول سواحل القارة الأفريقية، حاملة على متنها أحدث التقنيات وألمع العقول في مجال علوم المحيطات.
انطلاقًا من أرخبيل جزر القمر مرورًا بقناة موزمبيق وسلسلة جبال مدغشقر الجنوبية وصولًا إلى جزر الكناري الإسبانية، غاصت البعثة في مناطق بحرية حيوية، كاشفة النقاب عن أسرار لم تُكتشف من قبل ومعززة مكانة أفريقيا في صدارة البحث العلمي البحري.
لم تكن هذه الرحلة مجرد استكشاف جغرافي، بل كانت مهمة علمية مكثفة، حيث أجرى الباحثون أعمالًا ميدانية شاملة تضمنت غوصات باستخدام مركبات تعمل عن بُعد، وجمع عينات دقيقة من أعماق المحيطات، ومسوحًا تفصيلية للتنوع البيولوجي، ورسم خرائط عالية الدقة لقاع البحر. هذه الجهود مكنت الفريق من تقديم رؤى قيمة وبيانات جديدة حول النظم البيئية البحرية الفريدة في أفريقيا.
على متن سفينة الأبحاث المتطورة “أوشن إكسبلورر”، أكمل الباحثون ثماني غوصات استكشافية باستخدام المركبات التي تعمل عن بعد، مسجلين ما مجموعه 21 ساعة تحت الماء. وشملت هذه الغوصات أول مسوحات بصرية على الإطلاق للجوانب العميقة من شعاب والترز، بالإضافة إلى استكشاف جبل بحري تم رسم خريطته حديثًا قبالة سواحل مدغشقر، وجبال نولا البحرية بالقرب من الرأس الأخضر. كما نفذت غواصتان أخريان، “نبتون” و”نادير”، تسع غوصات إضافية، جمعت خلالها 41 عينة بيولوجية وجيولوجية خلال 32 ساعة من استكشاف أعماق البحار.
إنجاز آخر بالغ الأهمية تحقق خلال هذه الرحلة، وهو رسم خرائط لما يقرب من 150,000 كيلومتر مربع من قاع البحر في مناطق استراتيجية مثل سلسلة جبال مدغشقر وهضبة أجولهاس وجبال نولا البحرية. هذه البيانات الحيوية تمثل كنزًا ثمينًا لعلوم واستكشاف أعماق المحيطات، وتساهم بشكل كبير في جهود التخطيط المكاني البحري وفرص الحفاظ على البيئة.
وفي تعليقه على هذا الإنجاز العلمي الهام، صرح فينسنت بيريبون، الرئيس التنفيذي المشارك والمدير العلمي لشركة OceanX: “هذا ليس مجرد إنجاز علمي، بل إنجاز قاري. المعرفة المكتسبة هنا تنتمي إلى أفريقيا وستفيد المجتمعات البحثية والعلمية لأجيال قادمة.”
وقد خُصص جزءان مهمان من الرحلة لدراسة أعماق البحار، بهدف تعزيز فهم العمليات البيولوجية والجيولوجية والمحيطية التي تشكل قاع البحر والنظم البيئية في جنوب غرب المحيط الهندي وشرق المحيط الأطلسي. ومن خلال استكشاف الجبال البحرية النائية ومسح الموائل العميقة وتحليل ديناميكيات المحيطات، أنتجت الفرق بيانات أساسية تدعم جهود الحفاظ على البيئة البحرية والإدارة المستدامة للموارد والتكيف مع آثار تغير المناخ. ومع تزايد وعي الدول الأفريقية بأهمية النظم البيئية البحرية السليمة لتحقيق التنمية الاقتصادية والأمن البيئي، يوفر هذا البحث معارف وأدوات ضرورية لإثراء الحوكمة البحرية المستدامة في جميع أنحاء القارة.
من بين النتائج الرئيسية التي تحققت: رسم خرائط عالية الدقة للجبال البحرية وقاع البحر المحيط بها، وهو أمر حيوي لإدارة مصايد الأسماك والحفاظ على التنوع البيولوجي وحماية الموائل. بالإضافة إلى ذلك، تم إجراء تحليل مفصل لتيارات المحيطات لفهم أنماط المناخ الإقليمية بشكل أفضل، وتحليل الميكروبات والهباء الجوي البحري التي تلعب أدوارًا حاسمة في السلاسل الغذائية للمحيطات وتخزين الكربون وتنظيم المناخ، مما يسهم في توفير بيانات بالغة الأهمية لبحوث صحة المحيطات العالمية.
عبرت الدكتورة لارا أتكينسون، عالمة الشؤون البحرية في NRF-SAEON، عن أهمية هذه التجربة قائلة: “كانت فرصة إجراء أبحاث في أعماق البحار بالتعاون مع فريق دولي، بقيادة علماء أفارقة، نقطة تحول. بالنسبة للكثيرين منا، كانت هذه هي المرة الأولى التي نتمتع فيها بهذا المستوى من تكنولوجيا أعماق البحار والتعاون متعدد التخصصات بين هذا العدد الكبير من الدول.”
من جهتها، أكدت الدكتورة يارا رودريغيز، المديرة التنفيذية في معهد مار، على الدور المحوري للعلماء الأفارقة في هذه البعثة قائلة: “شعرنا بأننا جزء من هذه البعثة أشبه باستعادة روايتنا الخاصة في علوم المحيطات. لم نكن نجمع البيانات فحسب، بل كنا نشكل مستقبل المعرفة البحرية في إفريقيا، بناءً على احتياجاتنا، في مياهنا.”
لقد كانت هذه المشاركة جزءًا من تعاون أوسع بين OceanX وOceanQuest والمؤسسات الأفريقية الرائدة، بما في ذلك مؤسسة البحوث الوطنية – شبكة مراقبة البيئة في جنوب إفريقيا (NRF-SAEON)، وجامعة كيب تاون (UCT)، والمعهد الوطني للتنوع البيولوجي في جنوب أفريقيا (SANBI)، ومعهد مار (IMar) ومركز علوم المحيطات في مينديلو (OSCM) وجامعة أتلانتيكو التقنية (UTA) في الرأس الأخضر. وقد عززت هذه الشراكات العلمية تبادل البيانات والمعرفة في جميع أنحاء القارة.
وشدد بيريبون على أهمية هذه الشراكات قائلًا: “هذه التعاونات هي مستقبل علوم المحيطات في أفريقيا. لقد رأينا ما يُمكن تحقيقه عندما يتحد العلماء والحكومات والمؤسسات الإقليمية وراء هدف مشترك، ألا وهو تعزيز المعرفة والوصول إليها وإتاحة الفرص.”
لم تقتصر إنجازات البعثة على الجانب العلمي فحسب، بل شهدت أيضًا سلسلة من الإنجازات الدبلوماسية الهامة، حيث استقبلت السفينة وزراء ومسؤولين رفيعي المستوى من جنوب أفريقيا والرأس الأخضر، بالإضافة إلى رئيس جمهورية كابو فيردي، خوسيه ماريا نيفيس، الذي أكد، بصفته راعيًا لعقد الأمم المتحدة لعلوم المحيطات من أجل التنمية المستدامة، التزام بلاده القوي وقيادتها في تعزيز المعرفة بالمحيطات والحفاظ على البيئة البحرية والتنمية المستدامة.
وفي هذا السياق، صرح مارتن فيزبيك، الرئيس التنفيذي لشركة أوشن كويست: “أكدت هذه المشاركات رفيعة المستوى التزام المنطقة بعلوم المحيطات والاستدامة، وعززت التعاون عبر القارة، وأظهرت القيادة المتنامية لكل من أفريقيا وكابو فيردي في مواجهة التحديات الأكثر إلحاحًا التي تواجه محيطاتنا.”
لم تكن رحلة “حول أفريقيا” مجرد استكشاف علمي ناجح، بل كانت أيضًا شهادة على قوة التعاون الدولي والقيادة الإقليمية في سبيل تعزيز فهمنا وحمايتنا لمحيطاتنا الثمينة.