على مدى عقود كانت اسبانيا هي العدو اللدود في علاقاتها مع المغرب، وفق مقاربة مزدوجة تهدف بالأساس الى حماية مصالحها و المحافظة على مصادر قوتها ، و على رأسها إضعاف الجار الودود، وعيا منها بخطورة المغرب و بضرورة تحجيم مساره التنموي خصوصا بالأقاليم الجنوبية المسترجعة ، الذي يعني بالأساس استقرار أرخبيل كناريا.
و بالرجوع قليلا الى سنوات من العقد المنصرم، نرى تقهقرا في حدة العدوانية اتجاه المغرب من الجانب الاسباني ،و لين غير مسبوق في المواقف تكلل بدعم مقترح المغرب للحكم الذاتي للصحراء المغربية تحت السيادة المغربية كحل واقعي ، في أفق ترسيم الحدود بشكل رسمي بين الجانبين. لتكون بداية لعلاقات طبيعية، غير التي سبقت و التي كانت مطبوعة بعدم الوضوح.
بداية الشهر المقبل ، سيحل بالرباط رئيس الحكومة الإسباني بيدرو شانشيز ووفد رفيع المستوى من 12 وزيرا ،حيث سيتم التوقيع حتما على اتفاقيات تعاون تدفع بالعلاقة بين الجانبين الى مستويات متقدمة.
الزيارة و إن كانت مبرمجة قبلا، إلا أنها تأتي في سياق اقليمي بُعَيد أيام من عقد البوليساريو لمؤتمره، كما تأتي بعد الزيارة غير البريئة لكاترين كولونا وزيرة خارجية فرنسا، و زيارة لاحقة لجوزيب بوريل الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، و ارتفاع منسوب الضغط المبطن من لدن البرلمان الاوربي باثارته ملفات امنيو حقوقية تهدف بالاساس الى التشويش.
كما تأتي كذلك الزيارة في سياق دولي تنسحب عليه تداعيات الصراع الجاري بين الفيلة (روسيا و الناتو) التي ضربت اقتصاد اسبانيا بعد قرار الحكومة الفدرالية الروسية نقل أنشطتها في ترميم السفن من لاسبالماس بكناريا الى الدارالبيضاء ، و الاستفادة من رخص صيد تتمتع بموجبها السفن الروسية بامتياز استغلال المصايد المجاورة للمياه الإقليمية لجزر كناريا.
دون إغفال قرار المحكمة الاوربية حول قانونية اتفاقية التبادل التجاري بين المغرب و الاتحاد الاوربي، و قبل رئاسة اسبانيا للدورة القادمة للاتحاد الأوروبي في النصف الثاني من العام الحالي.
الزيارة المرتقبة ستشكل أرضية صلبة لمستقبل العلاقة بين المغرب و اسبانيا ، و هو ما يجب على الفاعلين و صناع القرار الالتفاف حوله، في ظل ارهاصات ما بعد كورونا و صراع تموقعات (الفيلة) حيث يتوقع انهيار او في الحد الادنى تفكك قوة الاتحاد الاوربي.
و بالتالي تجد اسبانيا نفسها أمام خيار البحث عن شركاء استراتيجيين يشكلون قيمة مضافة، مستفيدة من الاخطاء المتكررة و المفلسة لفرنسا مع المغرب، و هو ما ستسعى فرنسا الى تكبيله من خلال معاهدة ثنائية (فرنسية اسبانية) تؤكد فشل منظومة الاتحاد الاوربي.
الزيارة تتصادف كذلك مع حدث جد مهم لا يمكن تجاوزه و هو معر ض اليوتيس الدولي الذي سينظم بأكادير ابتداء من 31 يناير عوض 1 فبراير كما كان مقررا، حيث ستكون اسبانيا ضيف شرف.
فاسبانيا و رغم كل شيء تبقى الشريك الإقتصادي التقليدي و الاستراتيجي للمغرب بالنظر الى علاقات الجوار و العمق التاريخي بين البلدين ، و هي علاقات مبنية على التكامل والالتزام في إطار مبدأ رابح رابح حيث تضاعفت المبادلات التجارية بين الرباط ومدريد خلال السنوات 10 الأخيرة مع معدلات النمو تفوق 10%، في حين تعتبر إسبانيا منذ 8 سنوات أول مزود و زبون للمغرب، اذ بلغ حجم صادرات إسبانيا الى المغرب نحو 8.44 مليار دولار أمريكي خلال سنة 2020.
فيما تشكل الأسماك المرتبة الثالثة في المعاملات التجارية بين إسبانيا والمغرب بقيمة 735 مليون دولار، و التي تشمل القشريات والرخويات واللافقاريات، حيث بلغت صادرات المنتجات البحرية سنة 2021 مسجلة رقم معاملات قياسي بلغ 24,2 مليار درهم أي حوالي 2,42 مليار دولار.
كما يشكل الأسطول الإسباني أكثر من ثلثي الأسطول الأوربي الذي يستغل مصايد المملكة في اطار اتفاقية الصيد بين المغرب و الاتحاد الأوربي ب 93 سفينة صيد من أصل 132 سفينة.
وبالنظر الى مستجدات قرار المحكمة الاوربية بخصوص اتفاقية التبادل التجاري بين المغرب و الاتحاد الاوربي يبقى على الاطراف المعنية و خصوصا اسبانيا ايجاد مخرج مريح لاستدامة مصالحها في الصيد البحري مع المغرب، لن يكون الا عبر الاستثمار في المغرب، وهو رأي سديد اقترحه في وقت سابق السيد حسن السنتيسي رئيس جمعية المصدرين المغاربة و رئيس الجامعة الوطنية لصناعة و تثمين المنتجات البحرية، حيث يشكل معرض اليوتيس منصة جد مناسبة لفتح نقاش في هذا الباب.
و جبت الاشارة و للتاريخ فلوبي الصيد البحري الإسباني يبقى من جنود الخفاء الذين كانوا يساندون المغرب و يدعمون تجديد اتفاقية الصيد بقوة و كان من المؤثرين الكبار في قرار البرلمان الاوربي، حيث تشكل اللجنة المغربية الإسبانية المشتركة في الصيد البحري التي تطورت الى اللجنة المغربية الاوربية المشتركة في الصيد البحري قاعدة خلفية لعملياتها.
كما يتوقع المغرب أن تساهم رئاسة اسبانيا للدورة القادمة للاتحاد الأوروبي في النصف الثاني من العام الحالي في تعزيز العلاقات المغربية الأوروبية، بينما ترتبط مدريد والرباط بعلاقات وثيقة وشراكات واسعة تشمل عدة مجالات اقتصادية وأمنية في الوقت الذي يعزز فيه البلدان تقاربهما على أكثر من مستوى منذ نهاية الأزمة الدبلوماسية بينهما واعتراف الحكومة الاسبانية بمغربية الصحراء وبمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية أساسا وحيدا وواقعيا لحل النزاع في الصحراء.
كتبها للمغرب الأزرق حاميد حليم
مستشار في الإعلام البحري و التواصل.