شكل تعيين زكية الدريوش كاتبة للدولة مكلفة بالصيد البحري من طرف جلالة الملك محمد السادس حدثا بارزا على الساحة السياسية ، في وقت كانت التوقعات تشير الى مغادرة الدريوش قطاع الصيد البحري في هدوء مع نهاية السنة الجارية 2024 بعد آخر تعيين في يولويز الماضي ، و بعد جدل طويل حول التمديدات المتتالية و استمساك عزيز أخنوش بها.
التعيين في اعتقادنا المتواضع يحمل دلالات أكبر من أن يكون إجراء روتينيا لأي حكومة خلال ولايتها. فهو تكريم و تقدير، و رد اعتبار من طرف عزيز أخنوش الى سيدة الظل التي جاورته، و اشتغلت طيلة عقد من الزمن من أجل تنفيذ استراتيجية اليوتيس ، ودفعت الثمن غاليا جراء القرارات الجريئة ، و قوبلت بالخذلان من طرف محيطها و من البطانة الفاسدة .
حوالي ثلاث سنوات من تعيين حكومة عزيز أخنوش في نسحتها الأولى، كانت ثقيلة جدا على زكية الدريوش التي واجهت حملات إعلامية شعواء ، و حربا ضروسا من أجل تحييدها من منصبها و من مهامها ، عاش خلالها قطاع الصيد البحري توترات صامتة و حالة جمود و تيه بإجماع الرأي العام المهني.
تزامن ذلك مع الظرفية المناخية الصعبة التي يمر منها المغرب، و التي عاشها و يعيش تداعياتها قطاع الصيد البحري و باقي الأنشطة المرتبطة به ، و أثرت على الوضعية الاقتصادية و الاجتماعية لمجتمعات الصيد البحري.
تداعيات الوضع خلفت كذاك انقسامات و انشقاقات على جميع المستويات ، أكدت بالملموس على افتقاد القطاع لقيادة حكيمة تجمع أكثر مما تفقر ، حيث لعبت زكية الدرويش و منذ توليها مهام كاتبة عامة لقطاع الصيد البحري دورا تاريخيا و محوريا في وحدة الصف و وحدة الكلمة، وحققت الإجماع على المواقف الكبرى بين جميع المكونات .
أكيد و بعد تعيين زكية الدريوش كاتبة للدولة مكلفة بالصيد البحري ستكون المهام جسيمة لرأب الصدع و إعادة ترتيب البيت الداخلي، و هو ما يتطلب من زكية الدريوش الكثير من الحذر، و الاستفادة من تجربتها ككاتب عام لقطاع الصيد ، لاحتمال دخول اطراف على الخط كمن يتخلل بين الظفر و اللحم ، و يكون الضحية هي مواردها البشرية .
فالسياق التاريخي و السياسي و المناخي و الاقتصادي يتطلب التجرد و الحكمة و الاستعانة بالكفاءات ، و ضخ دماء جديدة على جميع المستويات من أجل اخراج قطاع الصيد البحري من حالة الجمود و الصراعات المجانية التي تتسبب في هدر الجهود و الزمن.
المغرب مقدم على تحديات أكبر تتمثل في تدبير تداعيات قرار المحكمة الأوربية على المنتجين المغاربة ، و البحث عن أسواق بديلة لتصريف المنتوجات و البحث عن مصادر تموين أخرى خارج المغرب لتأمين تموين الصناعات السمكية و التحويلية بالمغرب، و استقرار الاستثمارات و فرص الشغل بالأقاليم الجنوبية واستتباب الأمن و السلم الاجتماعي.
هناك تحديات أخرى على مستوى القارة الافريقية في ظل مخرجات جميع فعاليات المنظمة في إطار الأسبوع الافريقي للمحيطات تستوجب الانخراط بكل جدية و مسؤولية في الرؤية الشمولية و الموحدة لأفريقيا زرقاء وفق مبادرة الحزام الازرق .
هناك تحديات لا تقل أهمية وهي انقاذ الضفة المتوسطية من الوضع الكارثي الذي ترزح تحته ، بسبب شح المصايد و اجتياح النيكرو، و ظهور الأحياء الغازية بكثافة، و التلوث الذي أحدثته حضائر تربية الأسماك بالدائرة البحرية الشرقية.
هناك ملفات أخرى تستوجب إعادة النظر إحقاقا للعدالة الاقتصادية و الاجتماعية و على رأسها إعادة النظر في نظام التناوب بمصيدة السمك السطحي الجنوبية يشمل مينائي الداخلة و بوجدور.
ملف أخرى يحتاج الى جرأة إنسانية يتمثل في انقاذ اسطول الصيد بالخيط و إحياء دوره الكبير في استدامة الصيد البحري عكس باقي الأساطيل التي دمرت الثروة السمكية و المصايد.
الورش الاجتماعي ، هو الآخر يحتاج الى التفاتة خاصة وعلى رأسه تكييف نظام الحماية الاجتماعية الخاصة برجال البحر مع خصوصية قطاع الصيد البحري في ظل التغيرات المناخية.
الكثير و الكثير من الاوراش الكبرى تنتظر زكية الدريوش نأمل أن يكون تعيينها كاتبا للدولة مكلف بقطاع الصيد البحري فرصة ثانية لوضع قطاع الصيد البحري على السكة الصحيح دونما التوقف على عتبات الماضي، وقد يبدأ ورش الإصلاح و التغير بتعزيز الإدارة بموارد بشرية كافية لسد الخصاص، و توفير الشروط الموضوعية لأداء المهام بكل مسؤولية.
و تبقى الثقة المولوية في زكية الدريوش لقيادة قطاع الصيد البحري أكبر وسام في ماسرها كسيدة دولة، و أكبر حافز لبدل مزيد من العطاء و بكل تفاني خدمة للوطن.
كتبها للمغرب الأزرق الأستاذ حليم حاميد
مستشار في الإعلام البحري و التواصل.
عضو المرصد الإعلامي الأفريقي للصيد المستدام.